كلمات مبعثرة

  • 4/26/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي   أكتب كلمة فأخرى فلا تعجبني الأولى فأشطبها.. يراودني نفس الشعور تجاه الأخرى فأهم بشطبها، لكنني أنظر إلى توسلات حروفها، فأمنحها فرصة البقاء على ظهر الورقة وفوق الأسطر.. لأكتب كلمةً ثالثةً إلى جوارها كي تأنس بها عوضاً عن تلك المقتولة المشطوبة.. وأخيراً يكتمل السطر الأول.. فتبدأ أجراس الأفراح بالقرع بداخلي.. وكأني ألمح على الورقة تلك الحروف وقد صفقت لي بحرارة.. لتكتمل لوحة الفرحة التي انتظرت ظهورها منذ فترة ربما لأشهر أو أيام.. فأمسك بالورقة «ذات السطر الوحيد الواحد» لأتراقص معها، تماماً كما تفعل نسائم الربيع المنعشة بأغصان الأزهار حديثة التفتح.. فجأةً تتوقف عيناي على كلمات ذلك السطر، فأقرأه سريعاً، فأشعر وكأن صدمةً اجتاحت مكان الاحتفال بداخلي.. فلا فرح يراقص قلبي، ولا كلمات تشاركني أجواء الفرح بتصفيقها.. فقد باتت في نظري باهتةً، باردةً، بلا روح أو نبض.. فلا أتوانى لحظةً واحدةً في شطبها، لأغتال بقسوة ذلك السطر الوحيد الذي كان له مكان من الورقة، وأُلقي بأشلائها بعيداً عني في سلة المهملات.. وتبدأ رحلتي مع ورقة بيضاء أخرى، فلا حروف تعانق أسطرها الفارغة، ولا كلمات تشيع البهجة بداخلي.. وأعود لأمسك قلمي الذي أرقت حبره طمساً وإخفاءً للحروف.. لأعاود كتابة الكلمات التي باتت حائرةً لا تعلم ما مصيرها.. هل ستبقى لتطلق موسيقى الفرح أم ستطمس معالمها وتنشد المآتم؟ وتودعها جاراتها من الكلمات والحروف.. أوراق مبعثرة هنا وهناك.. كلمات تنتحب، وأسطر تتأوه.. محاولات عابثة مني لاستجداء الأحاسيس التي تحركني لأكتب.. أتنقل بين دواوين الشعراء، أقرأ فصولاً من الروايات، أستمع إلى راقي الأغنيات، أشاهد المسلسلات.. كل ذلك وأكثر.. فقط كي يملؤني إحساس غامر، فيجري مداد قلمي لأكتب ولو سطراً تسعدني حروفه.. وتليه أسطر أخرى.. لتبدو ورقتي كفتاة جميلة يزينها تاج من جميل الأزهار.. فأحتضن ورقتي وأطلق صرخات الانتصار وتبدأ طقوس أفراحي.. لكنه غياب الإحساس حين يجتاح مشاعري.. فيحيلها صنماً صامتاً لا ينطق بشيء.. مريرة هي هذه اللحظات حين تسيطر.. أكره بطء دقائقها، وتثقل أنفاسي حتى تبتعد عني وتغادرني.. فقد مللت تمزيق أوراقي وبعثرة بقاياها.. وأنهكني تأمل فارغ الأسطر، وقيامي بعد ما بقي منها وكيف سأملأها بالكلمات.. فتبدو الورقة بطول آلآف الأميال !!.. فهيهات لأحاسيس متوقفة، ومشاعر باردة أن تملأ تلك الأسطر بربيع الكلمات.. فمتى ينتهي شتات حروفي؟ ومتى ستلتقي وتتصافح كلماتي المبعثرة؟ لتغدو أسطراً ترسو زوارقها على شواطئ بوح المشاعر؟ وتبدأ زهور الخواطر بنثر عبيرها الهادئ الجميل.. فتسحرني الكتابة لأنتقل من خلالها لعالمي الجميل، الذي طال اشتياقي لزيارته وقضاء أروع الأوقات فيه.. لكني لا أعلم متى؟ فقد طال اشتياقي..

مشاركة :