السلطة الجزائرية تؤسس لمشهد سياسي جديد عقب الانتخابات القادمةتهدف السلطات الجزائرية إلى إشراك الأحزاب المعارضة في المشهد السياسي المقبل على حساب أعضاء من حزب جبهة التحرير الحاكم، وهي خطوة تسعى من خلالها إلى التخفيف من حدة الاحتقان مقابل الإبقاء على خيوط اللعبة بين أصابعها.العرب [نُشر في 2017/03/14، العدد: 10571، ص(4)]من ليس مع الرئيس لا مكان له بيننا الجزائر- تراهن السلطات الجزائرية بقوة على حسابات سياسية تستهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي في البلاد، بشكل يتماشى مع طموحات دوائر صنع القرار في التحضير لخليفة للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة والتنفيس من حالة الاحتقان السياسي في البلاد. وأكدت مصادر مطلعة من داخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم لـ”العرب” أن السلطات تفكر في إعادة تشكيل المشهد السياسي القادم من خلال الانتخابات التشريعية القادمة، بشكل يزيح مبدأ الأغلبية الساحقة ويبقي شركاء السلطة في المرحلة المقبلة بنسب متقاربة بين الأحزاب الداعمة للسلطة وبين القادمين الجدد إليها. وأضافت “سيكون للأحزاب الإسلامية المشاركة في الاستحقاق المنتظر نصيب محترم في المؤسسات القادمة، سواء داخل البرلمان أو الحكومة، على أن تبقى رئاسة الوزراء بين أيدي الدائرة الحالية وعلى رأسها عبدالمالك سلال، الذي انسحب من خوض السباق في آخر لحظة عن حزب جبهة التحرير الوطني في قائمة العاصمة”. وتبقى مسألة استشارة رئيس الجمهورية للأغلبية في تسمية رئيس الوزراء، بموجب الدستور الجديد للبلاد غامضة. ذلك أن البند المتعلق بتسمية الحكومة لم يحدد حجم الأغلبية من الحزب أو العائلة السياسية. لذلك فإن هندسة الانتخابات وفق منحنى تختفي فيه الأغلبية المطلقة من شأنها أن ترفع الحرج عن رئيس الجمهورية وتبقي لديه حرية الاختيار، الأمر الذي يجعل خيارات تجديد الثقة في سلال ورادة جدا.الفضائح المتتالية بخصوص القبض على قيادات من الحزب الحاكم بتهمة الرشوة تهدد حظوظه في الانتخابات المقبلة وتابعت المصادر أن “السلطة تريد برلمانا فسيفسائيا تعود فيه الأغلبية إلى أحزاب السلطة وتعيد الإسلاميين كشركاء في السلطة والمؤسسات القادمة، على أن تحوز باقي الأطياف السياسية لا سيما أحزاب المعارضة على نصيب من الكعكة، بغية إضفاء ممارسة ديمقراطية شكلية أمام الرأي العام، وتعيد ضخ دماء جديدة في المؤسسات المشلولة والفاقدة للمصداقية”. ومازالت مسألة الإشراف السري لرئيس الوزراء وعدد محدود من الوزراء على تسمية وتحديد قوائم الحزب الحاكم في الاستحقاق الانتخابي، تثير التساؤلات لدى الرأي العام والطبقة النضالية للحزب. ولم يستبعد مراقبون أن يكون “استفزاز القوائم لقواعد الحزب وحالة الغضب والاستياء التي خلّفت قتيلا وجرحى في مشادات عنيفة، أمرا مخططا له بدقة من أجل تقليص حظوظ الحزب في الاستحقاق ووضعه مبكرا في درجة متقاربة مع باقي أحزاب السلطة”. وكان الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس قد نفى في ندوة صحافية عقدها السبت الماضي، كشف خلالها عن إحصائيات ورؤوس قوائم حزبه، أي تدخل لرئيس الوزراء أو أي شخص آخر في العملية. وقال “الحزب اعتمد على آليات شفافة في غربلة الأسماء التي تقدمت للترشح، واعتمد مقاييس معينة، حيث شاركت عدة هيئات محايدة داخل الحزب في ترتيب الأسماء أو الإقصاء من السباق (المحافظات، المكتب السياسي، مديرية الإعلام الآلي) بعيدا عن الضغوط والتدخلات”. وأضاف “لقد تم إقصاء كل من ثبت ولاؤه لغير الرجل الأول في الحزب والرئيس بوتفليقة، وكل من يتحرك لحسابات ضيقة. أتحمل مسؤولية القوائم سواء في الحفاظ على الأغلبية المطلقة أو في حالة تدهورها. جبهة التحرير الوطني بيت كبير يحتضن جميع الجزائريين”.استقطاب السلطة للإسلاميين الذين تصدروا صفوف المعارضة يهدف إلى تبديد هاجس المقاطعة الشعبية للانتخابات ورغم تفاديه الرد على الاتهامات التي طالت نجله الموقوف من طرف مصالح الأمن بعد العثور على مبلغ مالي معتبر من العملة المحلية والصعبة (أكثر من 100 ألف دولار) وعدد من القوائم مع تأكيده على ما أسماه بثقته في مؤسسات الدولة (الأمن والقضاء)، فإن الفضيحة الأخرى التي هزت أركان الحزب بعد ثبوت ضلوع قيادات في جريمة استلام رشوة بمئتي ألف دولار بغية ترتيب جيد لأحد المترشحين، عززت اتهامات تغلغل المال السياسي الفاسد في الاستحقاق الانتخابي ودخوله على خط الإضرار بحظوظ الحزب وحتى توسيع رقعة المقاطعة الشعبية بما يخدم مخطط تفكيك الأغلبية المطلقة. وقالت مصادر لـ”العرب” إن استقطاب السلطة للإسلاميين كان بهدف تبديد هاجس المقاطعة الشعبية، خاصة وأنها ظلت لسنوات في مواقع متقدمة بصفوف المعارضة السياسية. وأضافت أن “صفقة غير معلنة أبرمت بين الطرفين يسمح بموجبها للإسلاميين بالاستحواذ على نصيب من الكعكة السياسية بعد الرابع مايو المقبل”. وتابعت “السلطة تراهن كثيرا على إعادة تشكيل المشهد المقبل بشكل ينفس حالة الاحتقان، ولو بالتضحية بحظوظ حزبها الأول مقابل التهيئة في هدوء لخليفة بوتفليقة في قصر المرادية بعيدا عن تشنجات المعارضة وانتظارات الخارج”. وأضافت أن دوائر الحكم في الجزائر تسعى إلى إضفاء أكبر قدر ممكن من النزاهة والمصداقية على الاستحقاق القادم، بتواجد كتل نيابية للمعارضة والمستقلين تحت قبة البرلمان، وربما في قصر الحكومة على أن تبقى الخيوط الأساسية للعبة السياسية بين أصابعها.
مشاركة :