واشنطن - قد لا يصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكن المرشح الجمهوري تمكن من إحداث تغيير في المشهد السياسي بطروحاته الشعبوية والغضب لدى مؤيديه والانقسام داخل حزبه، ويبدو أن تأثيره هذا سيستمر إلى ما بعد انتخابات 8 نوفمبر/تشرين الثاني. وأثار الملياردير السبعيني الذي لم يسبق أن شغل أي منصب منتخب، مفاجأة كبرى بوصوله إلى أبواب البيت الأبيض، وقد رفضه قسم من القادة الجمهوريين، فيما صوت له بعض المسؤولين الآخرين مرغمين. غير أن القاعدة الجمهورية أيدته بحماسة وصخب، وقد انجذبت إلى مرشح يتكلم بصراحة تصل إلى حدود الفظاظة، قادم من خارج العالم السياسي يعبر عن غضبهم وقلقهم في مواجهة العولمة والتغييرات الديموغرافية. وفي استطلاع أجرته بلومبرغ في منتصف أكتوبر/تشرين الأول بين الجمهوريين حول الشخصية التي تطابق تصوراتهم للحزب الجمهوري أكثر، اختار 51 بالمئة منهم ترامب، فيما اختار 33 بالمئة فقط بول راين رئيس مجلس النواب. وتسبب رجل الأعمال الثري بشرخ عميق في الحزب، سواء بفظاظة لغته أو بمواقفه المخالفة أحيانا كثيرة للخط الجمهوري التقليدي. فهو يعارض التبادل الحر، وهو انعزالي وأكثر تشددا بكثير من الحزب على صعيد الهجرة، غير أنه في المقابل أكثر ليونة بالنسبة للمساعدات الاجتماعية والعجز المالي. ووصل إلى حد اقتراح إجازة أمومة مدفوعة، وهو ما يعتبره بعض الجمهوريين من المحرمات. وأوضح الخبير في جامعة كولومبيا روبرت شابيرو أن "قيادة الحزب الجمهوري تكره ترامب، لكنها تريد استعادة مؤيديه، إلا أنهم متمسكون بترامب". وتابع "أنصاره سيكونون دائما هنا، بأفكارهم ذاتها حول التبادل الحر أو الهجرة. سيبقون دائما على كرههم للديمقراطيين وهيلاري كلينتون والتيار المهيمن في الحزب الجمهوري". وقالت جان زينو الخبيرة في كلية "ايونا كولدج" إن دونالد ترامب "غير كذلك طريقة خوض الحملات الانتخابية. ومن المتوقع أن نرى المزيد من المرشحين يعملون خارج الحزب ويستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي لعدم المرور عبر الحزب، وسنرى الكثير من الأحاديث العنيفة". موجة شعبوية ورأت أن "ثمة موجة هائلة من الشعبوية داخل الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي على السواء، وهذا سيستمر"، مضيفة "سيواجه الحزبان تحديا لاستعادة هذه القاعدة التي تحركها خيبة أمل حقيقية". وهذا ما استغله ترامب طوال الحملة ليقدم نفسه على أنه المرشح المعارض للنخب الحاكمة، واعدا بإعادة الوظائف التي انتقلت إلى الخارج، ومنددا يوميا بـ"نظام مغشوش". لم يكتف ترامب بإهانة منافسته كلينتون، بل أهان النساء والناطقين بالاسبانية والمسلمين والمعوقين، ودخل في سجال مع عائلة جندي مسلم في الجيش الأميركي قتل أثناء خدمته في العراق. وهو يواجه 60 بالمئة من الآراء السلبية. كما أن تجاوزاته ومغالاته والفضائح حول تحرشه بالنساء حملت الصحافة الأميركية على إعلان موته السياسي أكثر من مرة، لكن أنصاره ظلوا على وفائهم له. وقال المستشار السياسي المثير للجدل روجر ستون المقرب من ترامب مؤخرا إن "الحزب لن يعود حزب جيب بوش الأشبه بناد للترفيه، لن يعود حزب النخب، حزب بول راين وميتش ماكونيل (رئيس مجلس الشيوخ) في واشنطن". وأضاف خلال مقابلة أجراها معه موقع فوكس أن "حركة ترامب ستكون مهيمنة في الحزب، ستكون مهمة وتحظى بتأثير". ويعتقد البعض أن ترامب قد ينشئ حركة سياسية خاصة به، مستندا إلى قاعدة البيانات الضخمة التي جمعها عن أنصاره طوال الحملة الانتخابية. غير أن العديدين يشككون في ذلك، مرجحين انتقاله إلى قطاع التلفزيون والإعلام الرقمي، وهو ما توحي به محاولات قام بها مقربون منه مؤخرا على فيسبوك. وقالت جان زينو "أعتقد أنه سيبقى قوة في السياسة"، غير أنه قد يفاجئ الجميع مرة جديدة ويعود ببساطة إلى أعماله دعما لعلامته التجارية التي تحمل اسمه، مستندا هنا أيضا إلى قاعدة المعلومات الانتخابية الضخمة.
مشاركة :