نهج البردة والإيمان في الفن بقلم: أحمد برقاوي

  • 3/14/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الإيمان تجربة من تجارب الإنسان التي تسمو بالإنسان شأنه شأن الفلسفة والشعر والموسيقى والفن بل إن الموسيقى تسمو بهذا الإيمان، وأم كلثوم المرأة التي شدت استمرت تشدو لعقود بالأغاني الدينية.العرب أحمد برقاوي [نُشر في 2017/03/14، العدد: 10571، ص(14)] يعيش الناس تجربة الإيمان الديني على أنحاء مختلفة، ويظل الإيمان الشعبي المعبر عن روح الخير المشترك الصورة الناصعة للإيمان، فهو ليس خاليا من العنف فحسب، بل وممتلئا بالهدوء الروحي وحب الآخر. وهذه تجربة عاشتها العرب على نحو شبه كلي، ومازالت معيشة رغم ما تعتريها من الإسلاموية العنفية الوليدة من الأنظمة الاستبدادية الطائفية وغير الطائفية، إنه الإيمان السامي الذي استمد منه شوقي والسنباطي وأم كلثوم أحد أجمل الأحداث الفنية. ففي عام 1946 غنت أم كلثوم رائعة شوقي نهج البردة من تلحين الموسيقار العظيم رياض السنباطي. نهج البردة الشوقية معارضة لقصيدة البوصيري التي تحمل العنوان نفسه، ولسنا في معرض المقارنة والتفضيل.الإيمان الشعبي يظل المعبر عن روح الخير المشترك والصورة الناصعة للإيمان، فهو خال من العنف، وممتلئ بالهدوء الروحي وحب الآخر ها نحن أمام قصيدة يؤلفها شاعر حداثوي العقل والهوى، صاحب الشوقيات والمسرحيات الدارس في باريس، لديه من شعر الغزل راح يغنيه عبدالوهاب، فأحمد شوقي وهو يعرض نهج البردة يعلن حبه للرسول بالجمال الشعري الأخّاذ، فينبري رياض السنباطي لتلحينها بأعلى درجات الإلحان تأثيرا مقام السيكا وينتقل إلى الحجاز والبيات وكأنه يحشد كل المقامات في عملية تنقلك إلى أعلى درجات الطرب. أما الصوت فهو لسيدة الغناء العربي بكامل أناقتها وتسريحة شعرها السافر وفستانها الأبيض، أما الجمهور فهم نساء بكامل أناقتهن السافرة ورجال بالبزات الرسمية وربطات العنق. الأغنية هي أغنية دينية يتفاعل معها الجمهور تفاعلا لا مثيل له إلا تفاعل الجمهور العربي مع أغنيتها الأطلال في باريس. فعندما وصلت إلى الشطر الذي تقول فيه: حتى بلغت سماء لا يطال لها. فكأن القاعة كلها قد أصابها مس من الجنون وهي تعيد وتكرر عدة مرات وفي كل مرة تغير من المقام دون أي ملل أبدا. إن كل هذه البنية المتفاعلة مع هذا الإبداع من المؤلف إلى الموسيقي إلى المغنية إلى الجمهور هي بنية مؤمنة. إذا هذه البنية بكل عناصرها كانت تمارس طقوس الإيمان الروحي القلبي دون أي زي في اللباس يدل على ما يدل عليه الآن الزِّي الأيديولوجي. ودون احتجاج على الموسيقى ودون اعتبار صوت المرأة عورة ودون ذم الغناء والاستماع إلى امرأة تغني. إنه إيمان أبناء الحياة، وليس هذا فحسب فإن الجمهور نفسه الذي يستمع إلى الأغنية من المذياع في ما بعد يرفع من شأن هذه الرائعة الفنية. ولم نعرف في ذلك العام الذي غنت فيه أم كلثوم نهج البردة، أي في عام 1946 أن أحدا من رجال الدين قد اعترض بالكتابة أو بالخطاب الشفاهي على “الست” ولم يرفع أحد من التيار السياسي الديني دعوة ضد المغنية التي تشدو بقصيدة عن النبي العربي. ترى ما الذي حصل لهذا الإيمان الذي يجد في غناء تعبيرا عن إيمانه حتى نكص إلى أشكال من التعبير عن الإيمان عنفية. إن الإيمان تجربة من تجارب الإنسان التي تسمو بالإنسان شأنه شأن الفلسفة والشعر والموسيقى والفن بل إن الموسيقى تسمو بهذا الإيمان، وأم كلثوم المرأة التي شدت استمرت تشدو لعقود بالأغاني الدينية. أجل لا يستقيم الإيمان الديني والعنف، لا يستقيم الإيمان الديني والسياسة، الإيمان تجربة روحية تسمو بالأنا ولا تقتله. كاتب من فلسطين مقيم في الإماراتأحمد برقاوي

مشاركة :