تسود حالة من الترقب والقلق أوساط الجالية المسلمة في هولندا، تحسبا لفوز الحزب اليميني المتشدد بعدد أكبر من المقاعد في البرلمان، لكن ما يخفف من حدة هذه المخاوف هو موقف بعض الأحزاب الرئيسية وتأكيدها أنها لن تتعاون معه في ائتلاف حكومي. «الشرق الأوسط» جابت شوارع أمستردام لرصد الأجواء عشية الانتخابات، لكن لم يكن من السهل الحصول على أجوبة أي شخص يعترف بأنه من مؤيدي الزعيم اليميني خيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية، الذي ظل لفترة من الوقت متقدما في استطلاعات الرأي، لكن في الأسبوعين الأخيرين حل في المرتبة الثانية خلف الحزب الليبرالي الذي يترأسه مارك روتا، رئيس الوزراء الحالي. يقول رجل ستيني، من الناشطين القدامى في مجال العمل الجمعوي، ردا على سؤال حول إمكانية حصول حزب فيلدرز على مقاعد أكبر في البرلمان ومشاركته في الحكومة القادمة: «أتمنى عدم فوز فيلدرز، وأعتقد أن نسب فرص تشكيله حكومة ضئيلة، لكنه قد يشكل خطرا على عدد كبير من الهولنديين لأنه يستغل الانقسامات الموجودة في المجتمع حول قضايا بعينها». وقال باتريك، وهو هولندي في الخمسين من عمره، إنه لن ينتخب حزب رئيس الحكومة مارك روتا لأنه لم ينفذ الوعود التي سبق أن أعلن عنها فيما يتعلق بالإعانات الاجتماعية، وخصوصا للباحثين عن فرص للعمل، وقال إنه لن ينتخب الحزب الليبرالي، ولا الحزب الديمقراطي المسيحي لأنهما لم يقدما شيئا للمواطنين، ولا لتحسين الظروف الاجتماعية للعاطلين عن العمل، حسب تعبيره. ومع انطلاق الحملة الدعائية قبل الانتخابات التشريعية المقررة في منتصف مارس (آذار) الحالي، اختار خيرت فيلدرز اليميني المتشدد التركيز على المهاجرين، وأطلق تصريحات تهاجم المسلمين، وبخاصة المغاربة، لكن مثل هذه التصريحات أصبحت مألوفة بالنسبة للمهاجرين المغاربة، الذين كانوا يلجأون للقضاء الهولندي لإنصافهم. وفي هذا الصدد، قال أحد من المهاجرين من أصول إسلامية في نهاية العقد الخامس، إنه «كلما اقتربت الانتخابات أطلق فيلدرز تصريحات معادية للمغاربة وقد تعودنا على هذه التصريحات، التي يستخدمها فيلدرز لكسب الأصوات، ولكن التصريحات الأخيرة كانت عنصرية رغم أن المغاربة ساهموا في بناء هذا البلد... للأسف فيلدرز يستغل الإسلام والهجمات الإرهابية الأخيرة في إلصاق التهم بالمسلمين»، بينما قال شخص آخر يدعى سعيد ويعمل في إحدى البلديات التابعة للعاصمة أمستردام: «لا أظن أن فيلدرز سيحقق نتائج كبيرة. كما أن كل الأحزاب الديمقراطية تبرأت منه ولن يشكلوا معه أي حكومة مقبلة، وقد حاول فيلدرز مؤخرا أن يستغل حادث تسريب معلومات عن تحركاته الانتخابية من جانب حارس أمني من أصول إسلامية بهدف كسب تعاطف الناس معه، حتى يقولوا إن فيلدرز لا يستطيع التحرك بحرية في حملته الانتخابية. لكن وزير الداخلية الهولندي رد عليه بتقديم ضمانات أمنية له لكي يستمر في تحركاته الانتخابية». من جانبها، تخوض ساديت كاربولوت، عضو البرلمان الهولندي من أصل تركي، الانتخابات المقررة، الأربعاء المقبل، في لائحة الحزب الاشتراكي، وقد أكدت لـ«الشرق الأوسط» عقب مشاركتها في إحدى الندوات الانتخابية بخصوص فرص خيرت فيلدرز وتصريحاته التي استهدفت الجالية المسلمة، وبخاصة المغاربة منهم، إن فيلدرز «لا يملك أي حلول، ويكذب كثيرا ويهرب من مسؤولياته، ويكفي أنه يهرب من الندوات الانتخابية... إنه لا يملك سوى التسبب في الانقسامات داخل المجتمع، ولذلك لا أعتقد أن الناس سيختارونه». وبخصوص إمكانية التعاون معه في ائتلاف حكومي، أضافت ساديت: «لن نعمل مع حزب يصدر مواقف عنصرية، وبخاصة ضد المسلمين ويخطط لإلغاء حقوق جزء من مكونات المجتمع، وينوي اتخاذ إجراءات ضد الأجانب»، مضيفة أن حزبها يركز في حملته على أهمية التركيز على الاستثمارات بعد سنوات من التقشف في برنامج الحكومة الحالية. وحسب كثير من المراقبين، فإن فوز فيلدرز سيحسن فوز فرص حلفائه في فرنسا وألمانيا، حيث تجري الاستعدادات لانتخابات أيضا. لكن ذلك يبدو مستبعدا في ظل الأجواء التي تشهدها الانتخابات، حيث يتزايد الحنق والغضب من تصريحات فيلدرز، الذي قال قبل أيام إن برنامجه للانتخابات يتضمن مواجهة «أسلمة أوروبا»، وأنه لا يريد دخول الأشخاص من الدول الإسلامية إلى هولندا.
مشاركة :