حرب بين المغرب والبوليساريو هي في الحقيقة حرب بينه وبين الجزائر، فالجماعة الانفصالية لن تستطيع القيام بأي حركة ولا سكون دون موافقة وضوء أخضر صريح من الأخيرة، وهذا أمر معروف وغير خافٍ على أحد، طبعاً هذا الأمر يجعل من الجزائر بشكل آلي طرفاً مباشراً في أية مواجهة بين الطرفين، بما يعني أن طبول حرب كبرى تقرع بشدة في شمال إفريقيا، ولا أحد قد يتمكن من إيقافها في حال اندلاعها بعد ذلك. أي مواجهة عسكرية بين المغرب والجزائر ستمثل كارثة بكل المقاييس، ليس فقط على البلدين أو المنطقة، بل ربما على الأمن والسلم العالميين، خاصة أن أوروبا حتماً لن تكون بمحيد عنها وسيصلها هي الأخرى لهيبها بشكل أو بآخر، سواء بحكم العلاقات الاقتصادية مع الضفة الجنوبية أو بحكم تدفق جحافل اللاجئين ممن سيتخذون الأمر فرصة نحو معانقة الضفة الشمالية. وإذا ما استحضرنا أنه منذ سنوات القرن الماضي قلما شهد العالم أي مواجهة بين قوتين إقليميتين متكافئين ومتوازنتين إلى حد بعيد مثل ما هو محتمل بين المغرب والجزائر، فإن ما يزيد من الخطورة البالغة للأمر هو أن البلدين جاثمان على أزيد من خمسين في المائة من صفقات السلاح بالقارة الإفريقية، ولكم أن تتصوروا حجم الكارثة والدمار الذي سيحل في أي مواجهة تقع. فالبوليساريو اتخذت قرارهاً إذاً وهو أنها عازمة على البقاء في منطقة الكركرات، وهي غير مستعدة للانسحاب منها، كما قال بذلك زعيمها، الأمر حتماً ما كان ليتم دون التنسيق والموافقة التامة من الجزائر، والأخيرة لا تخفي ذلك أصلاً فهي عبَّرت ذات مارة وفي أكثر من مناسبة أو غيرها عن دعم البوليساريو تحت ذريعة ما تطلق عليه "دعم الشعب الصحراوي في تقرير مصيره". بالمقابل المغرب ملزم منه كأمر بديهي إذا بالعمل وفق ما تقتضيه "قواعد الاشتباك" كما هو جارٍ به العمل في العرف الدولي وهو في حالة الدفاع عن النفس والدفاع عن كل ما يهدد أمن مواطنيه. كما أن الملك كرئيس الدولة ملزم بإعلان الحرب ما دامت حوزة الوطن مهددة كما هو مكفول له دستورياً "فهو ضامن استقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة (كما في الفصل 42)"، وما يجعل سيناريو المواجهة أقرب أكثر من أي وقت مضى هو أنه لن يستطيع إقناع شعبه بأي شيء آخر غير طرد البوليساريو من المنطقة التي استولت عليها مؤخراً. حتماً الحرب هي آخر ما يمكن أن يتمناه المرء، ويجب التفكير لملايين المرات قبل اتخاذ قرار الطلقة الأولى فيها كيفما كانت أسبابها أو دواعيها، لكن عندما تكون المواجهة حتمية ولا مناص منها، فحينها لا يلزم إلا العمل على طرق تقليل خسائرها وإنهائها في أقصر فترة ممكنة إذا كان ذلك ممكناً. المشكلة هنا أن لا أحد بإمكانه التحكم بمسار هذه الحرب، فقد يكون أحد الأطراف قادراً على إشعالها في أي وقت من الأوقات، وهذا عمل يمكن أن يقع في أي لحظة طيش أو تهور من أحدهم، لكن الذي لا يفكر فيه عادة هو أن مَن يوقد الحرب ليس بالضرورة قادراً على إيقافها مهما أوتي من قوة، بل لا أحد يمكن أن يتنبأ حتى بحدودها ولا مساراتها؛ إذ تبقى كل السيناريوهات والاحتمالات واردة، وذلك بالنظر لعوامل معقدة عديدة ستتحكم في الأمر بما يجعل ذلك يخرج عن سيطرة أي طرف بمجرد إطلاق تلك الرصاصة الأولى. قد يجد البعض أن الأمر فيه كثير من المبالغة، بل إن هناك من الإخوة الجزائريين من سيرى أن الحرب لا تهمهم في شيء، وأن على المغرب ألا يزج باسم بلدهم في الصراع، وهذا غير صحيح طبعاً؛ إذ لا يوجد أي بلد في العالم يوفر السلاح والحاضنة لأي حركة مسلحة إلا وكان طرفاً مباشراً في النزاع هو الآخر. أقصى درجات ضبط النفس هي أكثر شيء نرجوه في هذه المرحلة، وعلى الجزائر أن تتذكر أن الحرب مع جار شقيق لن تكون حلاً بأي شكل من الأشكال لتصريف أزمتها الداخلية، فالبوليساريو ستحارب وتهاجم المغرب بسلاح وتمويل ومن أرض جزائرية، وهذا شيء غير مقبول مهما كانت ادعاءاتها في ذلك. الحرب لن يستفيد منها أحد، ولن تخلف سوى الدمار والمزيد من الضغينة بين الشعوب، كما أنها لن تكون حلاً للصراع أبداً، بل إن الحرب تولد ثانية وهذا ودواليك، وسيجد الشعبان نفسهما ضحية تفويت فرصة النهوض والتنمية المرجوة، حينما تذهب كل الجهود هدراً في حرب خاسرة ومدمرة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :