العقاب لا يؤدي إلى أي نتيجة وأن بإمكان الطفل أن يتعلم الصواب من خلال ارتكابه الخطأ. وفي الغالب، يلجأ الآباء التقليديون إلى فرض عقوبات كرد فعل مباشر على سوء تصرف الأبناء وأولها الصراخ في وجهه، هذه العقوبات من شأنها أن تسبب ألما نفسيا يفترض أن يدفع الطفل إلى الابتعاد عن هذا السلوك مستقبلا لتجنب العقاب، اعتمادا على قدرته على تنظيم أفكاره وعواطفه بهذا الاتجاه، إلا أنه في الحقيقة لا يستطيع أن يفعل هذا الأمر كما قد نعتقد، وبالتالي فإن العقاب سيتحول إلى مجرد فعل لإيذائه من دون أن يشكل دافعا لتغيير السلوك غير المرغوب فيه. وعلى العكس من ذلك، يقرر علماء نفس السلوك بأن توجيه الطفل عن طريق مشاعر الحب من شأنه أن يضع حدا لسلوكه الخاطئ بدل أن يتكرر، هذه العواطف ذاتها هي من تعين الطفل على إصلاح أخطائه سواء السلوكية أو أي تخريب يمكن أن يحدثه في المنزل أو حتى في مقتنياته الخاصة، مشاعر الحب يمكنها أن تجعلنا أكثر نفوذا وسيطرة على أبنائنا مقارنة بالعقاب أيا كانت صورته. وترى الدكتورة ماركايم أن الطفل الذي لا يصغي عندما يطلب منه الوالدان القيام بأمر ما، ليس بالضرورة علامة على التمرد، فربما لم يسمع الكلام لانشغاله في فكرة ما؛ وهذه حالة طبيعية لا تتعلق بالطفل وحده حيث يستغرق الناس، كبارا وصغارا، في التفكير أو العمل على موضوع معين، فيفوتهم الاستماع جيداً أو التركيز على ما يقوله الآخرون. لذا، ينصح متخصصون بضرورة التواصل مع الطفل قبل البدء بمحادثته بالجلوس إلى جانبه وملامسته بحنان، ولا بأس من التواصل معه وما قد يفعله في تلك اللحظة من أمر كان يشغله عن سماع الآخرين. يحتاج الطفل الذي يخالف التعليمات إلى رعاية وتواصل خاصين، لأن ما يفتقده في الواقع هو الشعور بالأمان علينا احترام أنشطة الصغار واهتماماتهم، لأن ما يقومون به لا يقل أهمية في نظرهم من تلقي التعليمات وتنفيذ رغبات الأهل، ويمكننا بعد ذلك أن نملي عليهم ما نريد. لكن ما يهم بالفعل، هو أن يرفض الطفل تحقيق طلب أو رغبة الوالدين بإصرار وعناد ومن دون سبب واضح، أو إذا كان يتصرف بعدوانية مع الأطفال الآخرين، فهذا يعني، بحسب متخصصين، أنه يعاني من الخوف؛ شيء ما يخيفه في المنزل كالخلافات المستمرة بين والديه أو تفضيلهما بالحب والرعاية شقيقه الأصغر وربما نتج هذا عن مشاهدته لفيلم رعب في التلفزيون. عوامل أخرى كثيرة تندرج ضمن هذا الإطار، فقد يخاف الطفل من المدرسة لأنه قد يكون تعرّض لاستهزاء المعلمة أو تنمر زملائه في الصف، وغيرهما من مصادر الخوف الكثيرة التي يعاني منها الصغار عادة بصمت تام فتظهر ردود أفعالهم في شكل سلوك عدواني غير مبرر. ولهذا السبب، يحتاج الطفل الذي لا يصغي أو يخالف التعليمات إلى رعاية وتواصل خاصين، لأن ما يفتقده في الواقع هو الشعور بالأمان وبالحاجة إلى التعاطف من قبل الأبوين اللذين يتحتم عليهما خلق الفرصة له للتعبير عما يؤلمه ويؤرقه، سواء بالحديث المباشر، بالبكاء أو الضحك أو أي وسيلة أخرى تسمح له بالترويح عن مخاوفه. ويقارن علماء النفس بين نوبات الغضب للراشدين والصغار، فالراشدون يدخلون في نوبات غضب بسبب ضغوط نفسية أو بسبب مرورهم بمواقف معينة، يندمون عليها في وقت لاحق، أما الأطفال وحتى المراهقون فيدخلون في ذات النوبات للتعبير عن مخاوفهم وحزنهم لكنهم يعبرّون عنها بطرق تبدو وكأنها أكثر عدوانية، بسبب طبيعة تكوين الطفل الذي لم يتعلم بعد كيفية تنظيم مشاعره وسلوكه، إضافة إلى أن الطفل لا يعتذر عما حدث بعد انتهاء نوبة الغضب لأنه لا يشعر حقيقة بأنه قام بارتكاب فعل خاطئ وهذا أيضا يعتمد على طبيعة تكوينه النفسي. هذا النوع من الغضب يمكن معالجته بمحاولة التعافي من المشاعر التي سببته، بدلا عن فرض العقاب وهو في أبسط أنواعه قد يمثل نوعا آخر من العنف الموجه للطفل، من شأنه أن يضاعف سلوكه ويجعله أكثر تطرفا وربما يمتد إلى مساحات أخرى من حياته، في حين يتحتم على الأولياء ممارسة مسؤولياتهم تجاه هذا الطفل وعدم التهرب من مواجهتها بفرض العقاب المباشر والتغاضي عن أسباب السلوك الخاطئ. وتنصح الباحثة الدكتورة لورا ماركايم الأهل بضرورة التواصل مع أبنائهم ليس لغرض لفت انتباههم لما يطلبونه منهم، بل لأن التواصل معهم في جميع الأوقات أو متى ما تحين الفرصة أمر حيوي لترويض مشاعرهم السلبية وتوجيه سلوكهم إن أمكن.
مشاركة :