طموح الآباء يدفع الأبناء إلى طريق لا يتناسب وإمكاناتهم بقلم: نهى الصراف

  • 7/26/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

طموح الآباء يدفع الأبناء إلى طريق لا يتناسب وإمكاناتهم تصب جميع طموحات الآباء في بلوغ أبنائهم أعتاب النجاح في أعلى مستوياتها، وهذا هو أقصى أملهم في الحياة، والنجاح من وجهة نظرهم هو أقصر طريق لبلوغ السعادة والرضا في حياتهم المستقبلية، ولهذا فهم يبذلون في سبيل ذلك كل جهد ممكن لتذليل المصاعب التي قد تعترض طريق الأبناء، الذي ينبغي أن يكون معبدا، مستويا ومليئا بالأنوار.العرب نهى الصراف [نُشر في 2017/07/26، العدد: 10703، ص(21)]طموح الأهل لا يحقق بالضرورة سعادة الأبناء المنشودة تكمن المفارقة في بعض الحالات في أن طموح الأهل قد يأخذهم بعيدا في اتجاه الدفع بأبنائهم إلى طريق ليس من اختيارهم، ولا يتناسب وإمكاناتهم أو لا يتفق مع ميولهم الشخصية، الأمر الذي يؤدي بهم في النهاية، الآباء والأبناء معا، إلى طريق مظلم، متعرج ووعر هو أبعد ما يكون عن طريق السعادة المنشودة. ويرى الدكتور ستيفن جوزيف؛ خبير دولي رائد في علم النفس الإيجابي، وأستاذ علم النفس في جامعة نوتنغهام في بريطانيا، أن الأهل قد يبررون تدخلهم المستمر في خيارات أبنائهم، بأنهم لا يعرفون ما يريدون ولا يمكنهم تحديد المسارات الصحيحة لتحقيق خطوات صحيحة في طريق النجاح، لهذا ينبغي أن يجدوا من يأخذ بأيديهم ويدلهم على الطريق الصحيحة. وهذا هو الخطأ الشائع الذي يرتكبه أغلب أولياء الأمور، فهم لا يفسحون المجال لأبنائهم للمحاولة والتجريب وكيفية أن يكونوا أنفسهم وليس ما يتوقعه منهم الآخرون، وقد لا يدرك البالغون بأن الطفل والمراهق الذي ما زال يتلمس خطواته الأولى في التحصيل الأكاديمي، بإمكانه أن يعي نقاط قوته وضعفه، اتجاهاته، رغباته ومستوى قدراته، ومن هنا يأتي دور الأهل في التوجيه والمؤازرة، ورعاية مواهبه وتشجيعه على استغلال إمكاناته في اتجاهها الصحيح، ومن ثم تقديم الدعم والمساندة في الوقت المناسب. إظهار الاهتمام بالطفل أمر مهم للغاية، إلا أن بعض الآباء يسيئون فهم هذا الاهتمام ويحاولون توجيه أطفالهم باتجاه معين، وقد يرغبون في أن يختار أبناؤهم ويحبون الأشياء ذاتها التي يحبونها هم أنفسهم، ذلك أنهم لا يبذلون أي جهد للاستماع لهم وفهم طريقة تفكيرهم، ولا يهمهم أن يستدلوا على نقاط ضعفهم وقوتهم، اهتماماتهم، طريقة تفكيرهم، ما يحبون وما يكرهون، مواهبهم الحقيقية وقدراتهم.تقديم الدعم للطفل ودفعه للنجاح قد لا ينجح في كل الحالات، خاصة إذا أصرّ الأهل على استخدام كلمات تشجيع غير مناسبة ومع ذلك، فإن تقديم الدعم للطفل وتشجيعه ودفعه إلى النجاح قد لا ينجح في كل الحالات، خاصة إذا أصرّ الأهل على استخدام كلمات تشجيع غير مناسبة وبصورة متكررة، كلمات مثل “رائع، رسمك يبدو وكأنه لفنان عظيم” أو “حصلت على درجات مميزة في العلوم، هذا بسبب ذكائك”. ويقرر متخصصون أن تشجيع الطفل على تقديم ما هو أفضل، لا يعني أننا نهمل إرادته وقدرته على تطوير إمكاناته، فاعتمادنا على مقدرات الطفل التي يمتلكها في طريقة حكمنا على إنجازاته، يعني أننا نضيق الحلقة عليه ونضع طموحه ضمن إطار محدد وهو الإطار الذي تقرره قدراته وقابلياته التي ولدت معه، وليس مجهوده ورغبته في تطوير نفسه. وترى الدكتورة ناتالي كير لورانس، أستاذة علم النفس الاجتماعي في جامعة جيمس ماديسون الأميركية، أن الثناء على قدرات الطفل أمر جيد، لأنه يعزز ثقته بنفسه وتقديره لذاته، إلا أنه من جانب آخر يدمر حبه للتعلم وقدرته على الاستمرار في مواجهة الفشل الذي قد يصادفه لا محالة، في واحدة من خطواته في الحياة العلمية والعملية، كما أنه يقلل من فرصه في اقتحام مجالات جديدة والنجاح فيها. وكانت عالمة النفس كارول دويك والباحثة الاجتماعية في جامعة ستانفورد الأميركية، قضت معظم حياتها المهنية في إجراء أبحاث تتعلق بهذه الجدلية؛ وهي كيفية رؤية الناس إلى النجاح والفشل اعتمادا على تصنيفات مسبّقة تضع القدرات في اتجاهين، قدرات ثابتة وأخرى متنامية. وأما أصحاب نظرية القدرات العقلية الثابتة، فإنهم يقيّمون نجاح الأفراد وفق ما يمتلكون من صفات معينة كالذكاء والقدرات الرياضية مثلا، وهذه القدرات أو الملكات بحسب ما يعتقدون هي منحوتات من حجر لا يمكن أن تتغير، فالشخص إما أن يكون ذكيا وموهوبا في مجال ما الأمر الذي يؤهله للنجاح، وإما أنه لا يمتلك هذه الملكة فيكون مصيره الفشل، ولهذا فهو يخشى من مواجهة التحديات خوفا من ارتكاب الخطأ. أما أصحاب النظرية الأخرى التي تروّج للقدرات المتنامية، فإنهم يؤمنون بأن الصفات والقدرات الجيدة يمكن أن "تُزرع" وتتم العناية بها تدريجيا وتوسيعها من خلال الجهد ووضع استراتيجيات جيدة مع متابعة وتشجيع من قبل الآخرين، وهم في الغالب الأبوان. ويعتقد أصحاب نظرية القدرات المتنامية بأن الفشل هو مجرد افتقار للجهد أو المثابرة، في حين يعتبرون الأخطاء مشاكل يتوجب حلها لبلوغ النجاح في محاولات مقبلة، ولهذه الفكرة تأثير عميق في تحقيق النجاح في الدراسة والعمل والعلاقات الاجتماعية وفي مجالات أخرى لا حصر لها. فإذا كانت الإشادة بقدرات الطفل ومهاراته أمرا غير محبذ بحسب وجهة نظر متخصصين، يتوجب أن يحرص المربون والأهل على الجهد والطريقة التي أدت إلى نجاحه أو تفوقه في دراسته؛ فالعلامات الجيدة التي يحصلها في دروسه تنبع من اجتهاده ومثابرته أكثر من كونها تتعلق بقدراته العقلية، كما أن تعلمه مهارة جديدة مثل قيادة الدراجة الهوائية أو السباحة، مصدره محاولات مستمرة في التجريب والفشل ثم النجاح. وتنصح كارول دويك الأهل بتجنب تقديم كلمات العزاء والثناء عندما يفشل الطفل مثل "لقد قدمت أفضل ما لديك" وبدلا عن ذلك يمكننا أن نشجعه على إعادة المحاولة وإبداء الرغبة في مساعدته على تغيير الاستراتيجيات التي اتبعها في المرة الأولى أو إيجاد وسائل جديدة، لتجنب الفشل في المرة المقبلة، فالفشل يوفر فرصا هائلة لنمو الطفل.

مشاركة :