في زمن التكنولوجيا هل هناك طفل قارئ بقلم: خلود الفلاح

  • 3/15/2017
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

في زمن التكنولوجيا هل هناك طفل قارئ هل العلاقة بالكتاب تقتصر على جيل دون آخر؟ وهل تختلف هذه العلاقة بحسب معطيات وتحولات كل جيل؟ ربما كل الاحتمالات ممكنة. وبالتالي لا يمكننا وضع فرضية ثابتة للقياس عليها. ومن ناحية أخرى فإنه رغم ثورة التكنولوجيا الحديثة ما زال هناك أطفال يحبون الكتاب، وحريصون على اقتناء مطبوعاتهم بشكل منتظم. هنا نستطلع آراء عدد من كتاب أدب الطفل حول قيمة هذا الأدب اليوم ومكانته، وهو الذي لا يقل أهمية عن الأدب الموجه إلى الكبار، بل هو أكثر تعقيدا وصعوبة نظرا إلى خصوصية الشريحة التي يتوجه إليها.العرب خلود الفلاح [نُشر في 2017/03/15، العدد: 10572، ص(15)]الدول التي تستشرف مستقبلها من الاهتمام بالقراءة نتساءل اليوم ونحن في زمن “البلايستيشن” والتكنولوجيا المتسارعة عن مكانة أدب الطفل، إن كانت القصة المصورة لا تزال قادرة على جذب الطفل القارئ، وإن كانت قصص شهيرة مثل “سامر والعملاق” و”الكعكة الهاربة” و”الأميرة وحبة الفاصوليا” و”ليلى الحمراء والذئب” و”ذات الشعر الذهبي” لا تزال قصصا جذابة وشيقة يمكنها أن تشد طفل القرن الحادي والعشرين. مزيج متناسق تقول الباحثة الليبية فريدة المصري المهتمة بأدب الطفل إن “الكتابة للطفل ليست لها حدود، ويستطيع الكاتب استثمار كل الموضوعات من حوله، كما يستطيع استخدام كل الأدوات الموجودة، وبالتالي فإن كل الألعاب الإلكترونية لا تشكل عائقا أبدا أمام الإبداع الكتابي، ولكن الأهم في الموضوع هو الاستخدام العملي لهذه الإبداعات، ابتداء من الأسرة وقصص ما قبل النوم، مرورا برياض الأطفال والمدارس ومكتباتها والمكتبات العامة، وكذلك إعلام الطفل. وترى المصري أنه من المهم وضع استراتيجية قراءة جديدة تكون مواكبة لموضوع التقنيات الحديثة في الألعاب. وهنا ترمي بالمسؤولية كاملة على عاتق الدولة ومؤسساتها الثقافية في هذا الشأن.قصص الأطفال المصورة ثقافة يتربى عليها الطفل منذ نشأته، هذه الثقافة تصبح عادة لا يستطيع التخلي عنها رسامة قصص الأطفال المصورة وأفلام الكارتون العراقية هيفاء عبدالحسين بدورها تقول إن رسم أفلام الكارتون أصعب أشكال الرسم، لما يتطلبه من وقت وجهد من الرسام. وتتابع “من واقع تجربتي أقول إن الصعوبات التي تواجه قصة الطفل تكمن في دور النشر والمؤلف، فهما يتحكمان في الرسام. ورغم أن قلة من المؤلفين يفهمون عالم الطفل، فإن أغلب دور النشر ينشئها رجال أعمال همهم الكسب السريع، وقصص الأطفال لها جاذبية في أي وقت وزمن وأي ظرف. عن نفسي ما زلت أحب القراءة منذ طفولتي، والمفروض على الأهل إهداء أولادهم قصصا بدل الألعاب الإلكترونية”. يعتمد كاتب قصة الطفل الفلسطيني ماجد أبوغوش طريقة الحكواتي في قراءاته، التي تقوم على تشريك الطفل في فعل القراءة، لذا يؤكد أن القصص المكتوبة ما زالت تمتلك الجاذبية. لكن الأمر يعتمد على طريقة إيصالها إلى الأطفال. يقول الكاتب “بالأمس قرأت لـ300 طالبة في مدرسة ابتدائية. كان الاهتمام واضحا بالحكاية والصورة المرافقة. ولكن في رأيي المشكلة اليوم هي ارتفاع تكلفة كتاب الطفل وتوزيعه”. استوحت الكاتبة الليبية نعيمة العجيلي مجموعتها القصصية الأولى للطفل “القطوس والفلوس” من خرافات جدتها، وهنا تقول الكاتبة “القراءة هي شحذ للخيال وإعمال للمخيلة حيث للقارئ أن يرسم بمخيلته الصور وحركتها ويستحضر الصوت، فهي عملية خلاقة لن يعزف عنها محبو الإبداع. هذا إضافة إلى أن تطور الوسائل التقنية انعكس إيجابيا على الكتاب من حيث الشكل والمضمون”. تضيف العجيلي “الكاتب القصصي دخل سوق المنافسة بقوة وجعل من كتاب الطفل مزيجا متناسقا من الكتابة بالاستعانة بالصور المركبة والمحفورة، وأحيانا بإضافة ‘سي دي‘ صوتي مع الكتاب. الكتابة للطفل هي برأيي عملية استرجاعية للطفولة التي لا تغيب. وهذه الاستعادة يصحبها شغف المغامرة والاكتشاف”. الكتابة للطفل، في رأي العجيلي، هي الكتابة لإنسان يستهل خطواته باستلهام تجارب الكبار ومحاولة الإدراك والاعتبار. تشير السورية لينة دسوقي صاحبة قصص الأطفال “حذاء الأزرار الملونة” و”لجين وجهاز التقويم” إلى أن قصة الطفل تتفوق على “الآيباد” حين نشتغل عليها بإتقان الكلمة والرسم والإخراج، تتفوق حين تكون كتابا جذاباً ساحراً مثل حكايات ألف ليلة وليلة. عادة القراءةقصة الطفل أهم الفنون الإنسانية تلفت القاصة إلى أن بعض الكتب العربية من قصص الأطفال الآن بدأت تبدو كذلك، بفضل جهود بعض الدول مثل الإمارات، التي ترصد جوائز قيّمة من أجل كتاب طفل رائع. تتابع دسوقي “دور النشر تتعامل مع الكتّاب كمصدر للربح وليس كمصدر للفكر، لذلك تتراجع أهمية كاتب قصص الطفل، عكس ما يوجد في الغرب، حيث يتعامل الغربيون مع كاتب قصة الطفل كعبقري أو سفير أو مبدع. في بلادنا لا أحد يعلم من هو كاتب القصة، يعلمون فقط أسماء المطربين. وما يحزنني حقاً هو تواجد كتب الأطفال في المكتبات فقط وهذا خطأ. فكتاب الطفل يجب أن يتوفر في كل مكان؛ في المدرسة وفي محطات الباصات وفي الباصات وفي الحدائق، بل في كل مكان”. أما الرسام الليبي محمد قجوم، الذي اشتغل على عدة مطبوعات ليبية وعربية خاصة بالطفل، فيقول “قصص الأطفال المصورة ثقافة يتربى عليها الطفل منذ نشأته. هذه الثقافة تصبح عادة لا يستطيع التخلي عنها. وهنا لن يكون لـ‘البلايستيشن‘ التأثير المباشر الذي يلغي جاذبية القصص المصورة، ولكن هذا لا يعني عدم وجود تأثير مطلق للألعاب الرقمية على الطفل. ومع كل هذا ما زالت القصة المصورة تمتلك جاذبيتها ونكهتها الخاصة عند الطفل”. ويتابع قجوم “عند استلامي للسيناريو يتوجب عليّ أن أدرس شخوص القصة وتصميمها بحسب الفئة العمرية الموجهة إليها. رسم الشخوص والمشاهد المختلفة في القصة ينبغي أن يتمّ بطريقة تجعل الطفل وكأنه في وسط أحداثها وبين شخوصها ومشاهدها. ولا ننسى الألوان وتأثيرها على نفسية الطفل، فهي تمثل عاملا أساسيا من عوامل نجاح القصة المصورة وشد انتباه الطفل وحبه لها؛ إذ أن تنفيذ القصة المصورة من وجهة نظري أمانة يجب تأديتها بكل صدق وشغف وحب”. ويلفت الرسام إلى أن هناك صعوبات وتحديات كثيرة تواجه أدب الطفل منها عدم وجود دور نشر ومجلات ذات خبرة وتخصص في مجال ثقافة الطفل، وإن وجدت فهي قليلة. وأيضا الجانب المادي -الذي يعتبر رمزيا مقابل الجهد والوقت المبذولين لتنفيذ القصة المصورة- مهم بالنسبة إلى الفنان لكي يبدع ويستمر في الإبداع. من جانبها تؤكد نبيهة محيدلي، المدير العام لدار الحدائق، أن إنشاء دار متخصصة بالنشر للأطفال يشكل تحدياً في أيامنا هذه، لكن الحاجة إلى المزيد من الإنتاج الجيد الموجّه إلى الطفل تستحق مواجهة هذا التحدي وهذه المغامرة، فسوق كتاب الطفل العربي وإن قطع خطوات مهمة ما زال يشكو من النقائص كمّاً ونوعاً. تضيف محيدلي “للقصة الجذابة وصفة تضم شروطا تجعلها محبوبة ومطلوبة من قبل الطفل، ومن هذه الشروط أن تكون الفكرة غير مستهلكة، إضافة إلى سلاسة الأسلوب وسهولة اللغة بما يتناسب مع عمر الطفل وصولاً إلى الشكل الخارجي، وجمالية الرسومات والإخراج ونوعية الطباعة”. وترى محيدلي أنه “على الرغم من المؤشرات التي تدل على حركة متراجعة في معدلات القراءة لدى الأطفال في العالم بشكل عام والعالم العربي بشكل خاص إلا أن هذا لا يلغي أن الطفل بطبيعته محبّ للقراءة والمعرفة إذا كان ما يقدم له يناسبه ويحبه.

مشاركة :