الأديب محمد بركة: روايتي «الزائر» هروب من نرجسية الراوي

  • 3/16/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت أخيراً في القاهرة رواية «الزائر» للأديب المصري المقيم في بلجيكا محمد بركة، وهي العمل الإبداعي الخامس له بعد روايتي «الفضيحة الإيطالية»، و«عشيقات الطفولة»، والمجموعتين القصصيتين «كوميديا الانسجام»، و«3 مخبرين وعاشق». تكرّس الرواية موهبة بركة ورهانه على النص الأدبي، وترصد بلغة فاتنة وأجواء تقترب من الفانتازيا لحظة فارقة تحول فيها الدين إلى سلعة باهظة لا يقتنيها إلا الأثرياء الجدد، والجنس إلى عربة تدهس جيلاً كاملاً تحت عجلاتها، والمواطنة إلى حطب تأكله نار التعصب الديني. على هامش حفلة توقيع رواية «الزائر» في مكتبة ديوان في القاهرة، التقيناه وكان الحوار التالي.   لماذا اخترت اسم «الزائر» لروايتك الجديدة؟ الزائر اسم شخصية رئيسة في الرواية تظهر للبطل في الوقت الذي يعاني فيه أزمة نفسية بسبب الضغوط الاقتصادية، ويبدو له في هيئة ملاك. عبر التطور الزمني للقصة، يدور التساؤل: هل هذا الملاك حقيقي أم من وحي الخيال؟ وهو ما تكشف عنه أجواء الرواية خلال أحداثها المتلاحقة. هل تناول الرواية مجتمع «الكمبوند» محاولة لاستلهام الواقع؟        بالتأكيد، لذلك سنجد الراوي يقول في أحد أجزاء الرواية: «خرج من بوابة الكمبوند الملقى في أقاصي الحي الجديد محيياً عم كامل، مشرف الأمن في وردية الظهيرة. مرّ عبر طريق متعرج غير ممهد إلا من طبقة أولية من الإسفلت تمتلئ بقطع الزلط والحجر نتيجة لنشاط عشرات من سيارات النقل التي لا تتوقف محركاتها هنا، ولا تلتزم بالحد الأقصى للحمولة التي تتساقط على جانبي الطريق لغرام سائقيها بالسرعة المجنونة. يعبر اللافتات الضخمة للقرى السكنية المجاورة التي سنضطر من الآن إلى أن نستخدم معها صيغة جمع ثقيلة على اللسان «كمبوندات» يصل إلى طريق مختصر يمتد نحو 10 كيلومترات يفضي إلى طريق الواحات الرئيس، عنوان مدينة 6 أكتوبر التي لا تحمل فقط اسم آخر الانتصارات العربية على إسرائيل بل تعد كذلك الطبعة المصرية من المعمار المودرن: بذخ مبهر ودفء أقل». يحاول الكاتب هنا نقل صورة من الواقع الذي نعيشه، ويوضح حجم التفاوت الطبقي الكبير الموجود في المجتمع بين طبقة غنية تعيش في أجواء من البذخ المبهر وبين طبقة أخرى فقيرة تعمل على خدمة المنتمين إلى الطبقة الأغنى.    إلى أي مدى تخدم فكرة الصراع أحداث الرواية؟ تشكّل فكرة الصراع بين الشخصيات عنصراً رئيساً في الأحداث، وهي تخدمها بالتأكيد في إضفاء أجواء واقعية على الراوية، بالإضافة إلى أحداث ثورة 25 يناير التي تفرز شخصيات انتهازية تجلد باسم الثورة، في مقابل شخصيات أخرى نبيلة لديها مبادئ ومواقف ثابتة لا تحيد عنها، فالثورات مثلما تفرز النبلاء فإنها أيضاً تفرز الانتهازيين. وللأسف الشديد، فإن هؤلاء الانتهازيين هم الأعلى صوتاً والأكثر عدداً غالباً. مواطنة واقتصاد المواطنة إحدى القضايا التي ركزت عليها الأحداث. كيف تراها في ظلّ محاولة البعض إشعال فتنة طائفية؟  حاولت خلال أحداث الرواية إبراز قضية المواطنة بعيداً عن الاختلاف العقائدي في الدين الذي يعطي البعض الإحساس بأنه من أقلية ولا يحصل على حقوقه الكاملة، وينقل إليه الشعور الدائم بعدم الأمان والتهديد المستمر، لأن جزءاً من أحداث الرواية يتناول شخصيات تقيم في منتجع سكني أو «كمبوند» ولديها أنماط مختلفة، سواء بالنسبة إلى اختلاف الديانة أو الاختلاف في المستوى الثقافي والاجتماعي والاقتصادي أيضاً، وإحساس البعض بالدونية أو بأنه منبوذ داخل المجتمع يعتبر أول الطرق المؤدية إلى العنف والتطرف الذي يعانيه معظم دول العالم. البعد الاقتصادي حاضر بقوة في الرواية. هل كان ذلك مقصوداً؟   فعلاً، لأن الحياة في المنتجع السكني تحمل قدراً كبيراً من التقسيم الطبقي الحاد بين السادة ومن يخدمهم، سواء أخذوا شكل الحارس أو عمال الصيانة أو السائقين أو الخدم الذين يمثلون الطبقة الشعبية الفقيرة التي تقوم على خدمة ساكني المنتجعات السكنية الفاخرة، وهذا التفاوت الطبقي واقع نعيشه في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وهو موجود منذ سنوات طويلة، ولكنه أصبح أكثر وضوحاً بعد أحداث الثورة. كيف ترى تأثر الثقافة العربية في الثقافة الغربية في ظل عصر العولمة؟ في الواقع، نحن لا نعيش في ظل العولمة بقدر ما نعيش في عصر «الأمركة»، ذلك بسبب وجود حالة من التفوق والهيمنة للمنتج الأميركي، خصوصاً على المستويين الثقافي والفني بسبب قدرته الكبيرة على تسويق منتجاته بطرائق مميزة، ولكن هذه المنتجات تفتقد إلى العمق، فهي تلبي احتياجات السوق لا احتياجات الروح بالضرورة. ملامح وجديد ما هي الملامح الجديدة التي تحملها الرواية في رأيك؟ يجب على المتلقي أو القارئ أن يكتشف ذلك بنفسه من خلال دخوله في أجواء الرواية، ولكنني أرى أن «الزائر» تتضمن ملامح جديدة عدة، ومن بينها تناولها مجتمع المنتجعات السكنية الفاخرة خارج العاصمة على أطراف الصحراء، ويختلف هذا الملمح في سياق المكان عنه في أعمالي السابقة. كذلك تشتمل الرواية على شخصيات عدة تعمدت من خلالها الهرب من نرجسية برج الحمل الذي يتقوقع على هواجس الراوي المستلهمة بشكل أو بآخر من مخزون تجاربي السابقة، مثلاً في رواية «عشيقات الطفولة» استلهمت ذكريات الحب خلال مرحلة الطفولة، وفي الفضيحة الإيطالية» أروي قصة حب بين كاتب مصري وفنانة إيطالية، أما في «الزائر» فحاولت كبح جماح نرجسية الكاتب ومنح الميكروفون لشخصيات مختلفة، فضلاً عن أن الأجواء التي تدور فيها الرواية تقترب من الفانتازيا في لحظة فارقة تحول فيها الدين إلى سلعة باهظة لا يقتنيها إلا الأثرياء الجدد، والجنس إلى عربة تدهس جيلاً بأكمله تحت عجلاتها، والمواطنة إلى حطب تأكله نار التعصب الديني. ما العمل الأدبي الجديد الذي تعد له راهناً؟ كثير من الأصدقاء يسألونني عن عملي الجديد. فعلاً، ثمة عمل أوشكت على الانتهاء منه، وهو مستلهم من وحي إقامتي في بلجيكا، ويحمل اسماً مبدئياً هو «المدينة الرمادية» ومستوحى من حياة الجاليات العربية في بروكسل. يتناول المشروع فكرة العنف والتطرف والإرهاب على الأراضي الأوروبية، بعدما انتقل فيروس الإرهاب من الدول العربية، وأصبح حالة عامة في أوروبا. الولع بالأفلام الروائية والموسيقى ابتعاد الروائي محمد بركة عن مصر وإقامته منذ سنوات عدة في بلجيكا لم يمنعاه من متابعة الإصدارات الأدبية الجديدة والأفلام الروائية المصرية التي يؤكد عشقه لها وحرصه الشديد على متابعتها، لذا يحتفظ بمجموعة كبيرة من أفلام اختارها بعناية شديدة، مشيراً إلى أنه يحرص كذلك على متابعة الأفلام الروائية الأجنبية كافة، كذلك لا يخفي ولعه الشديد بالموسيقى العربية الكلاسيكية، خصوصاً أغاني سيدة الغناء العربي أم كلثوم. ورغم إقامته لفترة طويلة في أوروبا فإن الروائي المصري يؤكد اعتزازه بالثقافة العربية، ويرفض محاولات الهيمنة الأميركية التي تحاول بالطرائق شتى فرض سيطرتها على العقول العربية.

مشاركة :