محمد بركة: الرواية ما زالت أسيرة المدينة

  • 7/3/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: فاطمة العبيدي محمد بركة كاتب اتسمت كتاباته بالسخرية وباحتوائها على تقنية بصرية لافتة، تجعل من نصوصه أقرب إلى السيناريو منها إلى الرواية، اشترك في بداياته في مسابقة نظمتها صحيفة أخبار الأدب المصرية في التسعينات للقصة القصيرة، وكان أصغر الفائزين بهذه المسابقة، وقد كتبت الصحيفة «مانشيت» بهذه المناسبة «عشرون كاتباً هديتنا إلى مصر» وقد كان. كتب محمد بركة في بداياته مجموعتين قصصيتين هما «كوميديا الانسجام» و«3 مخبرين وعاشق» حتى انتهى إلى كتابة الرواية فصدرت له «عشيقات الطفولة» و«الفضيحة الإيطالية» وأخيراً «الزائر»، ولا ننسى أنه كانت له كتابات أخرى متنوعة بعيداً عن الأدب إنما كانت في محيطه مثل «مسيحي مسلم دوت كوم» وكتاب «لماذا كرهت المثقفين؟»، وقد كان لنا معه هذا الحوار: روايتك الأخيرة «الزائر» حظيت باهتمام كبير ولها خصوصية لديك، ما الجديد الذي قدمته هذه الرواية؟- هذه حقيقة، فمن خلال الرواية دخلت إلى منظور جديد من حيث اتساع الرؤية التي تعددت فيها الأصوات والشخصيات، بالإضافة إلى أنها تقع على خلفية مكانية وطبقة جديدة في المجتمع المصري أزعم أنها لم يتم النظر لها قبلاً في الرواية المصرية ألا وهي المجتمعات التي تعيش على أطراف العاصمة وسط الصحراء أو ما يعرف ب «الكومباوند».هنا تحديداً علينا الوقوف أمام هذه الخلفية المكانية بشكل موسع، ما الذي أثارك في هذا المجتمع، وهل كان المقصود به الأثرياء تحديداً؟- لا أبداً، لم يكن المقصود الأثرياء فحسب ففي «الكومباوند» الذي يتوسط الصحراء يعيش عالمان متوازيان من الناس، الأثرياء ومن يعملون لديهم من عمال وبنائين وباعة وخدم وسماسرة وغيرهم، هناك جيش جرار من الناس الذين يعملون لدى هؤلاء الأثرياء، نحن هنا نرى العلاقة بما فيها من تقسيم صارم بين الخادم والمخدوم، حيث نرى شكلاً جديداً من المجتمع لم يكن موجوداً سابقاً، لقد عشت مع هاجس راودني كثيراً هو أن أكتب عن هذا العالم الجديد حتى ظهرت رواية «الزائر»، فقد ظلت الرواية المصرية محصورة بين ثنائية الريف والمدينة، حتى أعمال نجيب محفوظ التي تناولت الحارة الشعبية لم تخرج عن نطاق المدينة فالحارة الشعبية هي أولاً وأخيراً بنت المدينة، وأنا أرى أن المجتمع المصري أو العربي يحوي ثقافات وبيئات ثرية ومتنوعة لا بد لنا أن ننظر إليها ونعالجها في أعملنا الأدبية كسكان الواحات والمجتمعات النائية البعيدة عن ثنائية الريف والمدينة.هل يعني هذا أن رواية الزائر هي بداية مشروعك الثقافي في تناول بيئات وثقافات جديدة واقتحام عوالم جديدة لم يتطرق إليها أحد من قبل؟- بالفعل، هي بداية لمشروع جديد يتناول مجتمعات لم يتطرق إليها أحد في الرواية المصرية، فأنا حالياً بصدد كتابة عمل يتناول الجاليات العربية في الغرب وما تعانيه من مشاكل وصراعات، أرجو أن يكتمل ليرى النور قريباً.على ذكر الجاليات العربية في الخارج، كيف يرى الغرب ومثقفوه عالمنا العربي اليوم في ظل المتغيرات التي حدثت في المنطقة إثر ثورات الربيع العربي وما تلاها من أحداث؟ - سأكون صريحاً في هذه النقطة لأنها لا تحتمل أي نوع من المجاملة أو التجمّل لأننا اعتدنا وضع المساحيق لإخفاء عيوبنا والرضا بالمسكنات، العالم الخارجي ينظر إلى المنطقة العربية بقليل من الاحترام، فهو يراها جزيرة تعوم على بحر من الدماء نتيجة الغضب والعنف والتعصب وانعدام الاحترام لأدنى حقوق الإنسان، لكنهم في الوقت نفسه يكنّون تعاطفاً ملحوظاً للمرأة العربية كونها مغلوبة على أمرها، الأمر الذي يجعلهم ينظرون لها باحترام شديد واحتفاء حين يرون منها نجاحاً فنياً أو أدبياً أو علمياً. هل للمثقف العربي دور بارز في الخارج؟- للأسف الشديد المثقفون في الغرب لا يعرفون شيئاً عن الثقافة العربية وصانعيها، وذلك بسبب الإهمال في ترجمة أعمالنا الأدبية بالشكل اللائق، بالإضافة إلى فشلنا في التعامل مع آليات العصر الحديث والتطور الذي يحدث كل يوم ويضع فيها الجديد الذي نجهله في الغالب، نحن لا نسوق لأعمالنا في الخارج كما يجب، ومعظم الكتاب الذين يدّعون أن أعمالهم ترجمت إلى عدة لغات لا يصدقون أو لا يعلمون الحقيقة، لأنه في الحقيقة الترجمة تكون لنصوص محدودة جداً وفي نطاق ضيق لا يتعدى الدوائر الأكاديمية التي تهتم بالدراسات العربية والاستشراق، لهذا فنحن بحاجة إلى الاهتمام بالترجمة من العربية إلى لغات العالم وأن نعطيها حقها من التسويق والدعاية لنلحق بالركب إن استطعنا على الأقل على المستوى الأدبي. من اللافت أيضاً في رواية الزائر بالإضافة إلى روح السخرية التي تتمتع بها في سردك الروائي، اهتمامك الكبير بالأمثال الشعبية، ما سبب ذلك؟- أنا لا أتعمد أن أكون ساخراً في كتاباتي كما أني شديد الضعف أمام الأمثال الشعبية وشديد الإعجاب بقدرتها المدهشة على المفارقة والسخرية وتكثيف أعمق المعاني وأكبرها في كلمات قليلة. أما عن توظيف المثل الشعبي في بنية النص فأنا أعمل على أن يكون موظفاً بشكل صحيح كي لا يكون مقحماً عليه، وأحياناً أشعر بالرغبة في التعديل في المثل الشعبي وأن أضيف شيئاً ذا قيمة له وألا أستسلم لصياغته التي عهدناه بها.في رأيك ما الذي يجعل الكاتب كاتباً ساخراً؟ وهل تصنف نفسك كاتباً ساخراً؟- روح السخرية لدى الكاتب هي في الغالب ناجمة عن حجم العبث واللا معقول الذي يعيشه ويتلمسه الكاتب فيما حوله من واقع، فما نعيشه اليوم من مفارقات وخيبات تخطى المنطق والمعقول، وفي رأيي أن الحديث عن هذا العبث واللا معقول بجدية هو قمة العبث، هنا تأتي الكتابة الساخرة كرد فعل لهذا العبث لكنه غالباً رد فعل لا إرادي، فأنا لا أرى نفسي ولا أصنف نفسي ككاتب ساخر وإن كان في كتاباتي ملمح ساخر فهذا عن غير قصد مني، كما أن هناك من العمالقة في الكتابة الساخرة الذين لا أجرؤ على أن أقف منهم موقف المنافس، أنا في الواقع أرى نفسي شخصاً جاداً جداً لكني أسعد بالطبع حين أسمع من هنا أو هناك أن في كتاباتي ملمحاً ساخراً لكني لن أقبل بهذا كتصنيف لي أو لكتاباتي.صرحت قبلاً بأن القصة القصيرة ليست تمهيداً أو تدريباً للوصول إلى فردوس الرواية المفقود، ما تفسيرك إذن أنها بداية كل الكتاب تقريباً؟- القصة القصيرة هي بداية غالبية الكتاب، هذه حقيقة فالكاتب في مبتدأ تجاربه السردية بحاجة إلى نص يناسب قدرته الإبداعية وملكاته وإمكانياته وقراءاته، بل حتى في رغبته بإنهاء النص سريعاً ونشره ليُقال عنه إنه (كاتب)، كذلك هي الشكل العملي من الكتابة للنشر في المواقع والصحف والمجلات، لكن ما يحدث اليوم على الساحة الأدبية أن جميع كتاب القصة القصيرة يتعاملون معها مثل صبر رجل على زوجته القبيحة في حين أنه يتطلع لمغازلة أميرة حسناء، فالقصة القصيرة هنا هي الزوجة والرواية هي الحسناء وهذا وضع يخلو من الإنصاف للاثنين معاً. أردت من كلامي سابقاً أن أنصف القصة القصيرة، وأن أضعها في مكانها الذي تستحقه، خاصة أن لها مكانتها المميزة وفرسانها الكبار في العالم كله وليس من العدل التعامل معها على أنها بوابة للولوج إلى عالم الرواية باعتبارها السيدة الحاكمة.

مشاركة :