حاوره: يوسف أبولوز حظي المسرحي الإماراتي، حميد سمبيج، بتكريم عزيز على قلبه وعلى قلب المسرحيين الإماراتيين والعرب، بوصفه الشخصية المسرحية في الدورة 27 من مهرجان أيام الشارقة المسرحية، ويجلس سمبيج على تراث مسرحي يتكون من حوالي أربعين عرضاً كان أوّلها في مطلع ثمانينات القرن العشرين، وكان قد شغفه المسرح وهو في الرابعة عشرة من عمره، ومنذ ذلك الوقت وهو لم يبرح الخشبة التي أصبحت، مع الوقت، جزءاً من تكوينه الثقافي، بل، والجسدي أيضاً. السردية المسرحية لهذا الفنان الحميمي الأصيل المحب ل«أبوالفنون» والمحب لزملائه وشركائه على الخشبة وخارج العلبة الإيطالية طويلة.. فهو شارك في أربعة أعمال تاريخية لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أما بقية مدوّنته المسرحية فهي تقوم على الأعمال التالية، على سبيل المثال لا الحصر: طقوس الأبيض، لا تقصص رؤياك، أنت لست غاراً، حرب النعل، ليلة القبض على ضرغام، جِدر مَرَق. عدت قبل الحوار إلى أرشيف سمبيج الورقي المتوفر في «الخليج» لأقرأ له أنه واحد من أوائل من نادوا بضرورة وضع خطة لترتيب البيت المسرحي الإماراتي (من جديد بحسب كلامه). وما قاله سمبيج كان في العام 1997، وهو منذ أوائل تسعينات القرن الماضي يرى أن أهم شروط النجاح لأي ممثل؛ الحب والصدق في عمله.لم يتخلَّ سمبيج عن ثوابته القديمة تلك، وهو إلى اليوم يعمل بحب وصدق، وفي هذا الحوار يتحدث رجل الستارة الخفيف والأنيق الذي يمازج بين الدرامية والكوميدية عن بداياته.. مثلاً.. عندما كان في الرابعة عشرة من عمره عرف في الشارقة «مسرح خالد»، ويتحدث بتاريخية مبسطة عن أيام الشارقة المسرحية التي باتت اليوم، كما يقول: «ليست مجرد مهرجان، بل، هي مدرسة وظاهرة عربية ثقافية مركزها الشارقة عاصمة المسرح وحاضنته الأمومية الكريمة».هذا نصّ الحوار مع حميد سمبيج الذي يستحق التكريم لإبداعه، وتاريخه، وتراثه، وفوق هذا خلقه الجميل: ماذا يمثل لك هذا التكريم؟ التكريم هو نهج إماراتي، تعودت عليه الدولة في تكريم أي عمل إبداعي، وتحديداً في الشارقة عند راعي النهضة الثقافية، وراعي الحركة المسرحية، وراعي كل شيء فيه جمال وعطاء، صاحب السمو حاكم الشارقة، الذي لا يألو جهداً في توفير المناخ الطيب لكل مبدع عربي، ولكل إبداع ومنتج عربي أو محلي يُقدّم. هذا التكريم فضل وتقدير من الجهة المكرمة. حدثنا عن حياتك المسرحية، منذ طلوعك على الخشبة، وما قبل الخشبة إلى يومنا هذا، وما الذي جعلك تتجه إلى المسرح؟ خلال فترة الشباب، كنت يافعاً، وككل الأولاد، في تلك الفترة، اهتممت بحكايات الجدات والقصة، والفكر، كما مارست كرة القدم أيضاً، وما دفعني للمسرح في الحقيقة هو الصدق، والعلاقة الأخوية بالأطراف، وما يحيط بهم من جمال، لقد شعرت بهذا من خلال العلاقات القوية التي بنيتها عن طريق المسرح، فمثلاً كوّنت علاقة جيدة مع الفنان المبدع إبراهيم سالم وأخيه سعيد سالم. أذكر في مرة من المرات الكثيرة التي كنت أذرع فيها طرقات الشارقة مع الأخوين سالم، وإذ بنا أمام «مسرح خالد»، وتساءلنا بلسان حال كل صغيرٍ حالم «كيف لو جئنا للمسرح ومثّلنا وكنّا أعضاءً في هذه الفرقة؟».. هذا الحلم كان متخيّلاً بين ثلاثة شبان غضاض، ولم نكن نعلم أنه سيتحقق يوماً مع توالي السنوات. وبالفعل، سمعنا عن بروفة لمسرحية «دجاجة طيروها» في مسرح الشارقة، وسرعان ما ذهبنا للمسرح يومذاك، حيث لم نتجاوز الرابعة عشرة من أعمارنا، وتفاجأ بحضورنا الأعضاء محمد عبدالله، ماجد بوشليبي، والدكتور محمد يوسف، وتخوفوا من غضب أهالينا، فأصروا على عدم تواجدنا خاصة وأن كل الأعمال تبدأ ليلاً. غيرنا الوجهة، وقفلنا عائدين إلى مسرح خالد، حيث وجدنا مجموعة شباب، كانت أعمارهم متقاربة من أعمارنا، واشتغلنا معهم، وإذ بالصدفة الجيدة عندما جاء يحيى الحاج المخرج السوداني في العام 1981، لكي يكون مشرفاً على المسرح، وبعد تدريبات بإشرافه قدمنا أول مسرحية بعنوان «الله يكون في العون»، وهذا العمل بداية وضع قدماً لي في المسرح، لأنه تحت قيادة مخرج كبير، ومتحمس، تخرّج حديثاً من بريطانيا في ذلك الوقت. ماذا تقول عن ثنائية (المخرج المؤلف) الموجودة في الإمارات، وهل أنت مع هذه الثنائية، أم يجب أن نفصل الإخراج عن التأليف؟ تختلف قراءة النص من مخرج إلى آخر، فقد أقوم بتأليف نص وأقوم أيضاً بإخراجه، لكن قد يأتي مخرج ثانٍ يخرج العمل بفكرة مختلفة. ليس بالضرورة أن تنجح العملية، فقد يأتي شخص يخرّب العمل الذي قمت بكتابته.. لكن ثمة ظاهرة ثنائية إماراتية جميلة أنتجت وأفرزت أعمالاً مسرحية نتباهى بها، وهذه الثنائية بين المخرج محمد العامري والكاتب إسماعيل عبدالله، وأتمنى أن تستمر ويقدم لها الدعم، وأن تأخذ حيزها الإعلامي، وتُدرّس في المعاهد. الكوادر الإخراجية في الإمارات، كيف تراها؟ العلاقة طردية.. فكلما بذلت جهداً أنتجت، وكلما كان ثمة دعم من الجهات الثقافية لإفراز عمل يكون هناك إنتاج قوي.. لدينا في الإمارات مخرجون ومسرحيون مهمون جداً، لكن الإشكالية الموجودة لدينا: هي كيف نستعد لعمل مسرحي، وكيف يتحقق النجاح؟.. يأتي ذلك من خلال الوقت، إنتاجاً مادياً، ومن الجهات المعنية، بحيث ينتج المبدع.أقول بقوة إن الإخراج في الإمارات في تطور كبير، يحاكي العالمية، لا أقول الكل، لكننا نصل إلى مرحلة مهمة جداً في التاريخ المسرحي الإماراتي. نعيش في (آذار) أيام الشارقة المسرحية، أريدك أن تتحدث عن الأيام، عن تاريخها منذ أن بدأت سنة 1981.. ماذا صنعت وراكمت للعمل المسرحي؟ كنا نعاني عدم وجود حاضنة للفعل المسرحي، على الرغم من أن نشاط وزارة الثقافة كانت أنشط من الآن، حيث توفر لنا التصوير والدعم المالي والانتقالات المجانية والسكن، ومنحت لنا المسارح من دون إيجار، لكن الآن حين جاءت أيام الشارقة المسرحية فقد وجدت المبرر لصناعة عمل مسرحي، وهي من جمعت الأدباء والمثقفين في كل ربوع الإمارات. هل صنعت أيام الشارقة المسرحية مشاهداً، هل أوجدت ثقافة مسرح؟ لها دور كبير في زيادة نسبة المشاهدين، هناك أشخاص أحبوا المسرح منذ الطفولة حتى الشيخوخة، وهم شاهدون على تاريخ المسرح الإماراتي من خلال أيام الشارقة المسرحية، وهناك أسماء إماراتية كبيرة أسست لثقافة المسرح، لهم قراءات ونتاجات مسرحية كبيرة.وأيام الشارقة المسرحية بتطورها وعودتها مرة ثانية، رسخت لإسهامات مهمة كونها تدعم بأعمال صاحب السمو حاكم الشارقة، وهذه الأعمال هي أعمال صعبة جداً، من حيث التكاليف والإنتاج، ولم نكن نتخيل أن نخرج عملاً كبيراً كمسرحية «عودة هولاكو».. هذه التجربة برهنت أن المسرح في الإمارات كبير، حيث تمت محاكاة مسرحنا في بعض دول الخليج تيمناً بأيام الشارقة المسرحية.تستحق الشارقة بعد هذا الزخم الثقافي والفني المسرحي أن يقام فيها مهرجان مسرحي دولي يضم فرقا عربية وأجنبية، ولا مانع أن ينظم هذا المهرجان كل عامين. ماذا تقول عن الدورة 27 من أيام الشارقة المسرحية؟ في إمكانها أن توفر أشياء كثير كمشاهدة الأعمال المسرحية، وبالنسبة لنا «غصّة عبور» تجربة فريدة ومختلفة عن الأعمال السابقة، ونموذج مسرح عربي يتناول هموم عربية وعالمية إنسانية في كل مكان.كما أنها تضم شخصيات جديدة، وبدأت تؤكد وجودها، وأعتبر أيام الشارقة المسرحية هي إيقاع الثقافة في الإمارات، وعليها أن تجذب الكاتب القصصي والروائي والشاعر لأن المسرح «أبوالفنون».
مشاركة :