كُثر هم الفنانون الذين يمثلون الإنسانية في أدوارهم فحسب، نادرون وفريدون هم الذين تسبق إنسانيتهم أدوارهم، بل تصبح المسلك الأول والرئيس في مختلف شؤون حياتهم. ومن بين هذه الندرة الإنسانية الفريدة والنبيلة، الفنان الإماراتي الإنسان النبيل، حميد سمبيج، الذي كلما التقيت به، تتعلم من إنسانيته الرفيعة دروسًا لا يمنحك إياها عبر نصائح ومواعظ، إنما عبر مواقف جلية تجعلك تتواضع أمامها وتتقبلها وكما لو أنها الحقيقة التي غابت عن بالك لسنوات طويلة، فوجدتها بعد تيهك في شخص هذا الإنسان النبيل الوديع. الفنان الإنسان حميد سمبيج، لا يمكن إلا وأن تحبه، وليس لك خيار آخر غير أن تحبه أيضا، فهو الوداعة ذاتها تمشي بهدوء وتؤدة على الأرض، دون أن تزعج الأرض ذاتها، أو تزعج من يمشي عليها، يستقبلك بابتسامة وادعة هي من رهيف الفراشات ورقيق الورد، ويتحدث معك والابتسامة لا تغادر محياه الوادع الهادئ كسُكون ورقة ريحان استلاذت بندى فجري، أو بحبيبات مطر ربيعي. لا تشكو أمام هذا الفنان الشفيف، الذي يصغي إليك وكما لو أن شكواك امتد وجعها في روحه، إنه يدعوك دون أن يتحدث عن الشكوى ذاتها، لأن تفتح أبوابًا أخرى للأمل وبالتوكل على الله، وكما اعتدت، ودون مناسبة ما، أن أصغي إليه، حتى في طريق عابر بأروقة المهرجانات المسرحية، وهو يقول: «صدقني أستاذ يوسف، كلهم بيحبوك»، هذه الطمأنة النبيلة، أسمعها منه بعد مداخلة نقدية لعرض مسرحي، قد أبديت فيه وجهة نظر حادة، يقولها أحيانًا حتى دون أن أطلب منه رأيا لهذه المداخلة، ولكنه الباحث عن ما يعلي من شأن الإنسان الجميل في الفنان. هو هكذا سمبيج، حتى في العروض التي يشارك بها في المهرجانات، وقد يكون لي رأي في شخصيته أو دوره أو كركتره، لم أجد منه غير ما يحببني إليه أكثر. حميد سمبيج، مثل أدوارًا كثيرة، وقضى مع المسرح ما يربو على الثلاثين عامًا، وأضحك وأفرح الكبار والصغار، وظل حتى آخر لحظة في حياته يحتفظ ببراءة طفلية ركيزتها الأولى هي النقاء والإخلاص غير العادي لأدواره، ولتوجيهات مخرجيه، وكما لو أنها عادة أخلاقية أزلية الاكتساب، ورثها عن من عايشهم من كبار الحي الذي يقطنه في شارقة الإمارات، والذين عايشهم وأصغى إليهم وإلى حكمهم الشعبية التي ترسم نبلها في حياته، إنسانا وفنانا. مثل هذا لإنسان الفنان النبيل، سنظل نتعلم من إنسانيته قبل فنه، وهي خصيصة فريدة فرادة الدانات في بحار الخليج اليوم، لو تأملها الكثير من الفنانين، لأدركوا أن بالإنسان أولاً يتكون ويحيا الفن.
مشاركة :