ما أفسدته السياسة تصلحه السينما

  • 3/17/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

انطلقت فاعليات الدورة السادسة من مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية والذي يقام من 16 إلى 22 آذار (مارس) الجاري. ويعد هذا المهرجان بمثابة جسر لعودة مصر إلى أحضان قارتها الأم، بعد غياب وجفاء استمرا لعقود، بعدما كانت مصر قبلة وسنداً لحركات التحرر الأفريقية، خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الذي دعمها في كل المجالات، وجاءت السياسة لتطيح سنوات من العلاقات الودية، إذ أهملها الرئيس الراحل أنور السادات، وانقطعت في شكل كامل في عهد الرئيس السابق حسني مبارك عقب محاولة فاشلة لاغتياله في العاصمة الإثيوبية عام 1995 فعاد وأولاها ظهره، فأولته ظهرها هي الأخرى وتعمقت الهوة التي لم تجد عاقلاً رشيداً كي يجسرها.   وصل ما انقطع سنوات القطيعة هي التي أوحت لرئيس المهرجان السيناريست سيد فؤاد الجناري بفكرة المهرجان وهو يحكي لـ «الحياة» قائلا: «راودتني الفكرة عام 2010، حين بلغت أزمة التواصل المصري مع الدول الأفريقية طريقاً مسدوداً، وشهدت العلاقات أسوأ مراحلها، وامتدت الأزمات إلى المسائل السياسية والاقتصادية وملف مياه نهر النيل. ولم أكن على اطلاع كافٍ على السينما الأفريقية، حتى قرأت في إحدى المجلات أن هناك مهرجاناً للسينما الأفريقية في الصين وآخر في كندا، بينما تقيم إيطاليا مهرجانيين للسينما الأفريقية». وأشار «شعرت بالخجل كون مصر صاحبة ريادة سينمائية لأكثر من مئة عام، كما أنها موطن زعيم حركات التحرر في أفريقيا جمال عبدالناصر، فكيف لا يكون هناك مهرجان للسينما الأفريقية فيها، المهرجان اعتبرته وسيلة مثلى لوصل ما انقطع». عرض الجناري مشروع المهرجان على وزير الإعلام حينذاك أنس الفقي الذي تحمس للفكرة، لكن لم تتم الموافقة حين عرضها على مسؤولين أرفع في الدولة. وجاء الانفراج وخرجت الدورة الأولى للمهرجان عام 2012، بدعم من وزارة الثقافة المصرية التي اشترطت أن تتم إقامة أي مهرجان عبر مؤسسة مدنية داعمة، فدعمته بالفعل «مؤسسة شباب الفنانين» التي أسسها الجناري مع المديرة العامة للمهرجان المخرجة عزة الحسيني. ويلقى المهرجان دعماً شبه كامل من الدولة المصرية عبر وزارة الثقافة والسياحة وكانت تدعمه أيضاً وزارة الشباب، لكنها توقفت هذا العام بحجة أن الأنشطة الثقافية والسينمائية هي أنشطة ترفيهية، وبينما يعاني المهرجان ضعف موارده وتقابله صعوبات جمة، لا سيما في ظل دعم ضعيف وارتفاع في الأسعار والخدمات، فإن القائمين عليه حريصون على العمل، مهما صادفتهم عثرات. يؤمن مؤسس ورئيس المهرجان سيد فؤاد الجناري بأن الفنون والثقافة والمشاعر الإنسانية هي وحدها القادرة على إعادة مصر لمكانتها المستحقة في أفريقيا، وإعادة العلاقات الودية بين الجانبين، وليس السياسة وكرة القدم أو الاقتصاد، مؤمناً بالدور الخطير للفن والثقافة وضرورة استغلاله. ووقع الاختيار على مدينة الأقصر كي تكون مقراً ومنطلقاً للمهرجان لكونها البوابة الأفريقية لمصر، كما أنها مدينة تاريخية وحضارية، فضلاً عن توافر إمكانات لوجيستية بها، لاقى المهرجان ترحيباً واحتفاءً واسعاً من قبل السينمائيين الأفارقة، وشهدت الدورة الأولى تظاهرة من الحب والمشاعر الغامرة والتعاون المتبادل الذي تواصل عبر الدورات المتلاحقة فقد كان هناك حنين جارف لمصر.   ملامح السينما الأفريقية استطاع الجناري عبر سنوات أن يتعمق في دراسة السينما الأفريقية واجداً أن «من أبرز ملامحها الجودة والعراقة والعالمية»، و «تتوافر لها التقنية والإمكانات على أعلى مستوى»، و» لا يغيب عنها الوعي والخيال»، لكن ينقصها أن تتحول إلى صناعة، في ظل عدم توافر الاستديوات ودور العرض، وغرف صناعة السينما والنقابات والأشكال التنظيمية، والبنى التحتية لتلك الصناعة. فهم يصنعون أفلاماً وليس سينما، لأن القارة الأفريقية لا تعرف تلك الصناعة التي لا تتواجد سوى في دولتين بعد مصر، هما نيجيريا وجنوب أفريقيا. ينفتح مهرجان الأقصر على جميع المهرجانات التي من شأنها أن تخدم مسيرته وعالميته وأفريقيته، إذ يتم التواصل والتعاون مع «مهرجان روما للفيلم الأفريقي» الذي يعد بمثابة نافذة للفيلم الأفريقي في أوروبا، وكذا الحال مع مهرجان «الفيسباكو»، ومهرجان قرطاج اللذين يعدان من أهم تظاهرات السينما الإفريقية في العالم وأعرقها، بينما يأتي مهرجان الأقصر تالياً لها كماً وكيفاً، فعلى رغم سنواته القصيرة لكنه حقق مكانة رفيعة بين تلك المهرجانات الأفريقية الدولي بشهادة كبار سينمائيي القارة. ويرى منظمو مهرجان الأقصر أن السينمائيين الأفارقة، لا سيما الكبار يدركون قيمة السينما المصرية، إذ تعلّمت غالبيتهم في القاهرة، بينما شاهد بعضهم الأفلام «للمرة الأولى» عبر قوافل يرسلها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر تقدم الغذاء والعلم والفيلم المصري المترجم، وهذا ما يؤكده الجناري بقوله «تعشق تلك الأجيال السينما المصرية وتقدر قيمتها، وينبغي أن نتوجه إلى الأجيال الحديثة، ونخاطبها لأنها لا تعرفنا حتى على المستوى الجغرافي، وهو أمر كارثي، لا سيما أن هذه الأجيال تهتم حالياً بالأفلام الأوروبية والأميركية والهندية والنيجرية، بينما تغيب السينما المصرية، على عكس ما كانت عليه في عهد عبدالناصر».  

مشاركة :