وثائقي يكشف وجه «الرجل المقنع»

  • 3/17/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

بسؤاله «من هو فيلدرز؟» أراد الوثائقي التلفزيوني الهولندي إبعاد صفة «الخبرية» عنه قدر الإمكان، والميل بدلاً منها نحو قراءة تحليلية في شخصية الزعيم اليميني المتطرف خيرت فيلدرز بخاصة أن توقيت العرض شديد الالتصاق بالانتخابات البرلمانية الهولندية. ومع هذا فتركيز صُناع الفيلم انصب أكثر على معرفة العوامل التي ساعدت على تشكيل شخصية فيلدرز، ولماذا يُعد بروزه «ظاهرة» جديدة في الحياة السياسية الهولندية، والسؤال الأكثر إلحاحاً؛ لماذا يُجاهر بعدائه للمسلمين والإسلام ويدعو إلى غلق الحدود في وجه المهاجرين وبخاصة المغاربة منهم؟ للإجابة عن تلك الأسئلة استعان الوثائقي، المعروض على شـــاشة التلفــــزيون السويدي، بعدد من الصحافيين والمؤرخين، وكلهم تقريباً أجمعوا على خروج زعيم «حزب الحرية» عن التقاليد السياسية الهولندية، التي عُرف عنها مرونتها وانفتاحها على كل ما يجري من تغيّرات في تركيبة المجتمع، لكنها شهدت في السنوات الأخيرة بروز تيارات يمينية متطرفة استغل فيلدرز النهايات الدراماتيكية لبعض قادتها، مثل مقتل المتطرف بيم فورتين ليكرس نفسه داعية أوحد وممثلاً لليمين المتشدد. تجربة الصحافيين معه وتحليلاتهم أوصلتهم الى خلاصة مفادها؛ أنه رجل مزدوج الشخصية بـ «وجهين»، حين يكون بعيداً من الكاميرات يبدو شخصاً عادياً، لكنه وما أن تشرع عدساتها بالعمل يتحول حينها إلى شخص آخر؛ عدائي، فظ، لغته خشنة وتعابيره «شعبوية». عن جدارة سيُطلق عليه بعضهم اسم «الرجل المقنع». رجـــل يعيش ومنذ أكثر من عشـــر سنوات حياة سرية يحيطه حراسه ليل نهار وهاجس الخوف لا يفارقه! أما مراجعة بدايات تشكله السياسي فاستوجبت العودة إلى طفولته ومقابلة بعض أصدقائه القدامى. وسرعان ما نكتشف أن ميله إلى التواري عن الأنظار، إلا حين يريد الظهور لفائدة مرتجاة، ما هو إلا سلوك اكتسبه منذ الصغر مثل انتقاله من موقف إلى آخر بكل سهولة. وفي صباه مثل بقية أخوته كان ميالاً إلى الأفكار اليسارية بل مال أكثر إلى أحد الأجنحة الماوية المتطرفة لكنه وبعد الانتهاء من دراسته وذهابه إلى إسرائيل للعمل في الحقول (كيبوت) لمدة عامين وقيامه بجولة في بعض الدول العربية، اعلن انحيازه الى قيم الحرية. وبعد عودته الى مديـــنة أوتريخت التي كانت وقتها هولندية بامتياز وموطناً للعمال والطبقة المتوسطة، قبل وصول المغاربة اليها، انقلب تماماً. اذ اعتبر وجودهم فيها احتلالاً اسلامياً لها فراح يجاهر بكراهيته لهم ويحرّض على الحد من وجودهم. سيعتبر لاحقاً مدينة أوتريخت مثالاً للاحتلال الإسلامي لأوروبا! كراهيته للعرب والمسلمين ستدفعه للعمل في السياسة وفي عام 1990 سينضم الى حزب «الشعب من أجل الحرية والديموقراطية». ويعين كمتفرغ فيه ثم ممثلاً له في البرلمان الهولندي. طيلة وجوده في البرلمان كان يعبر عن عدم ارتياحه وتعارض مواقفه مع سياسة الحزب، بخاصة موقفه من دخول تركيا الوحدة الأوروبية. كان يعلن رفضه اقامة «الخلافة» في هولندا وأنه سياسي «مختلف». اختلافه سيجره الى ترك الحزب وتأسيس مجموعة فيلدرز (في ما بعد حزب الحرية) التي ترأسها بنفسه وضمت معه عدداً قليلاً جداً من السياسيين. من بين أسباب اعتباره ظاهرة سياسية جديدة، طبيعة تكوين حزبه الغريبة، فهو الحزب الوحيد الذي لا يضم أعضاءً، فهو لا يريد أحداً ينافسه على ادارة حزب يكسب شعبيته من خلال «تويتر» وبقية وسائل التواصل الاجتماعي، لا من خلال برامج وهيئات منتخبة كما هو مألوف. حزب يقوده رجل واحد ويتحكم بكل قراراته واصطفافاته السياسية، ووفق بعض المفكرين السياسيين؛ طراز جديد من الأحزاب المتعارضة بالكامل مع مفاهيم الديموقراطية الغربية. المفارقة في سلوكه أنه وعلى رغم عزلته الشخصية استطاع كسب شعبية كبيرة علـــى حساب المسلمين وبخطاب الكراهية ضدهـــم. لقد عرف كيف يلعب على مشاعر نـــاس وكيف يشحن أذهانهم بمخاوف من سيطـــرة المسلمين على البلاد وقد توّجها بفيلم دعائي ضدهم حمل اسم «فتنة». ووفـــق المؤرخ أتين أوجي فـ «الفيلم عبارة عن دعاية رخيصة معتمدة على اقتباسات مجتــــزأة من القرآن الكريم ربطت بموسيقى دراماتيكــــية وصور لإخافة المشاهدين. في الحقيــــقة كان «فتنة» فيلماً فاشلاً فنياً، فما هـــو إلا قراءة فيلدرز الخاصة للقرآن». الخطاب الشعبوي وتقديم «تويتر» وكأنه منصة جادة لنقل الأفكار وتفاعلها كانت من بيــــن أساليبه لتأليب الرأي العام الهولندي ضد المسلمين، وجاءت موجات الهجرة الجديدة والأزمة الاقتصادية اليونانية والـــمليات الإرهابية في مدن أوروبية مثل باريس وبروكسيل لتصب الماء في طاحونته. وستُزيد تلك العوامل من شعبيته وستزيد طريقة حديثه إلى الصحافيين عن حرمانه من عيش حياة عادية خوفاً من المتطرفين من شدة تعاطف الناس معه. أما المفردات الجوفاء والخطابات الرنانة فستجعل منه في نظرهم سياسياً مختلفاً؛ ديناميكياً وشجاعاً؟ وفوق كل هذا عزز صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في بلدان أوروبية أخرى موقفه ليظهر أمام الجمهور الهولندي وكأنه يحظى بدعم خارجي كبير. مع دعمهم سيتمكن من الحصول على أكثر مقاعد البرلمان بل ربما سيكتسحها، لكن السؤال المطروح هو؛ هل ستتحالف معه بقية الأحزاب العريقة والكبيرة؟ لا يعتني الوثائقي كثيراً بالإجابة، لكن الخبراء والصحافيين أجمعوا أنه وفي حال فوزه بالغالبية واستنكاف الأحزاب من التعاون معه لتشكيل حكومة موحدة فإن تعاطف مؤيديه سيزداد وسيلتفون حوله أكثر من قبل، وهنا تكمن خطورته على مستقبل هولندا السياسي وديموقراطيتها.

مشاركة :