يعيش الملايين من اليمنيين حرباً مستعرة تتعقد أكثر يوماً تلو الآخر، ويستمر الصراع الدموي الذي بدأ منذ سنوات حتى أصبح اليمن اليوم يواجه أكبر مأساة إنسانية في العالم، وبات ثلثا الشعب في حاجة إلى مساعدات إنسانية، ورغم الجهد الكبير الذي تقوم به قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية في اليمن إلا أن حرصها على أرواح المدنيين الذين استخدموا كدروع بشرية من قبل ميليشا الحوثي المنتشرين في المناطق المدنية الآهلة بالسكان يظل الحائل أمام الحسم العسكري الكامل. الدبلوماسي اليمني د. علي عبد الكريم، الأمين العام المساعد السابق بجامعة الدول العربية تحدث لليمامة، عن خطورة المرحلة الحالية وعلاقة الأزمة اليمنية مع باقي ملفات المنطقة، ومدى فعالية الأمم المتحدة في حل الأزمة، وكيفية التصدي لمخططات إيران.. وإلى نص الحوار: r كيف ترى استحواذ الحوثيين على إيرادات الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتهم.. وما الحل لإعادة توجيه موارد الدولة للبنك المركزي؟ - الأصل أن تؤول الموارد كافة المتأتية من مختلف الأنشطة وبموجب النظم والقوانين النافذة إلى البنك المركزي المخول قانوناً بتنظيم كل ما يتعلق بهذا الجانب، ومع استعار الحرب تخلخل وضعف مراكز الدولة تدخل عملية توريد الموارد في دورة غير نظامية وتؤول وتصبح مركز تنازع بين أطراف الصراع يتضرر نتيجته أبناء الشعب اليمني، فذلك يعني ويتطلب عودة إنسياب الموارد كافة إلى وعائها القانوني البنك المركزي، ولكن تعقد الوضع في بلادنا على النحو الذي نشهده يتطلب معالجة متكاملة عبر حل سياسي شامل تضع بموجبه الحرب أوزارها وتعود جميع الأمور السياسية والاقتصادية والأمنية وعبر جهد مشترك إقليمي ودولي، وعدا ذلك سنشهد المزيد من تدهور الأمور نحو الأسوأ والأفظع. r ما رأيك في فعالية دور الأمم المتحدة في متابعة حل الأزمة، وهل كان لعدم استقبال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، ستيفن أوبراين، أي ارتباط بذلك؟ - تسألني عن مدى فعالية الأمم المتخدة كدور محوري نشط ومسؤول تتحمل بموجبة مسؤولية وضع المعالجة الحاسمة لجوهر الأزمة ووضع أطرافها جيمعاً أمام مسؤولياتهم التاريخية، للأسف أقول إنها - أي الأمم المتحدة - مجرد آليات منفذة للتوجهات الحاكمة داخل مجلس الأمن، الإطار المصدر للقرارات الواجبة النفاذ التي يتطلب نفاذها إدارة دولية مشتركة مقتنعة بمتابعة تنفيذ ما تصدره من قرارات ورفد ذلك بما يلزم من إمكانات وآليات عمل متوافق عليها تقضي إلى تفعيل تلك القرارات خاصة وقد وضعت بلادنا تحت البند السابع، نحن أمام مشهد درامي يتسم بالضحك على الذقون ويلعب على وتر التوازنات حفاظاً على مصالح الأطراف الفاعلة داخل مجلس الأمن؛ لذا نرى أن الجهد الإنساني لخدمة ضحايا الحرب ضئيل، كما نرى تضاؤل النتائج المتأتية من الجولات المكوكية التي ينفذها ويباشرها موفد الأمين العام، الأمر هنا مرتبط كما قلت بتوافر إدارة دولية متوافقة لتلبية متطلبات حل الأزمة اليمنية وذلك غير متوافر وتصاعد لهجة الخطاب التصادمي على المستوى الداخلي والخارجي والإقليمي بالذات على حساب قضية شعبنا وبلادنا. r إلى أى مدى وصلت الأزمة في اليمن؟ - للأسف الشديد وبحزن وقلق بالغين نجزم القول بأن الأزمة في بلادنا وصلت إلى درجة دخلت فيها بلادنا وشعبنا إلى غرفة الإنعاش المركزة، بل قد تجاوزت قبل غرفة الإنعاش ويمكن تجاوزاً استخدام التعبير الشيكسبيري «تكون اليمن أو لا تكون»، وكل المؤشرات باتت أخطر مما نتصور بعد أن تعرضت الهوية الوطنية للتآكل والانفصام وتعددت الولاءات وذهب بنا الحال إلى السقوط المدوي في مسرحية بلهاء من حالات التشظي والتشرذم هذا ناهيك عن الدم المراق يومياً من جسد شعب لا يزال يتطلع للخروج من الأزمة إلى رحاب الحياة. r وما المشكلة الجوهرية الآن؟ - جوهر المشكلة الآن يكمن في الإصرار على نهج الحرب، واعتقادي أن الحرب لن تقدم حلاً على الإطلاق إذ هي استنزاف ممنهج لنا في اليمن ولدول التحالف، وعليه فإن الافتئات على مكانة الدولة والانقلاب عليها ليس حلاً وإعادة إنتاج نفوذ القوى التي أسقطتها ثورة 11 فبراير ليس ثمة مكان له، جوهر المشكلة إصرار كل طرف على الإمعان، والإصرار على منطلقاته المنفردة للحل دونما أي استعداد لوضع مصلحة الشعب والبلد أولاً بعيداً عن المتاجرة والابتزاز، ولدينا مرجعيات أجريت في الكويت وعمان تذليل أهم عقباتها خاصة كيفية تطبيق القرار 2216، وأما مخرجات الحوار الوطني فنعتبرها الحامل الأساس لمشروعنا الوطني القادم. r كيف ترى التقدم الميداني على الصعيد العسكري من بعد تمكن القوات المسلحة اليمنية بإسناد التحالف العربي استعادة السيطرة على باب المندب وميناء المخا وتحرير أجزاء من السواحل الغربية من قبضة الانقلابين؟ - أراه إنجازاً واستحقاقاً ذهبت لأجله دماء وأرواح وسيظل شعبنا يدفع المزيد، وأرى دوماً أن أي إنجاز وانتصار عسكري لا بد أن يرافقه تعبير سياسي يمثل بديلاً أفضل عن الوضع الذي وضعنا تحت طائلة الحرب، لأن الحرب كما أؤمن لا تقدم حلاً ولكنها تقدم معادلات لإعادة التوازن تفضي عبر طاولة السياسة إلى تحقيق الأهداف المتبناة. r هل تتوقع أن تتحقق الدعوات لانفصال الجنوب؟ - كلما طال أمد الحرب وضاعت متطلبات حل أبرز القضايا الجوهرية التي تشكل لب الأزمة اليمنية وفي الأساس منها إيجاد الحل الذي يرتضيه الجنوب حلاً لها، عدم حدوث ذلك مع استمرار سيولة الحرب سيولد لا محالة مخاطر لمكانة الدولة، بل تهديد لوجودها وتشرذمها وستساعد مثل هذه الأجواء على تصاعد دعوات الانفصال بعيداً عن منهجية مخرجات الحوار الوطني وما أنجزته لجنة القضية الجنوبية المنبثقة عن مؤتمر الحوار الوطني. r كيف ترى مساعي إيران وأهدافها في الشرق الأوسط، وكيف يمكن للدول العربية التصدي لمخططاتها؟ - لا يجابه هذا المشروع الإيراني إلا بمشروع عربي متكامل لإحياء التضامن العربي واستناد كل مقومات القوى العربية التي يمكن أن تشكل رادعاً لخطر إيران، فلنعمل على تعزيز عناصر القوة الكاملة لدى عناصر الكيان العربي وما أكثرها، ونحسن استخدامها وإعادة تفعيلها والإيمان بقدرتها على التصدي، وهي قادرة على أن تشكل مشروعاً بديلاً حضارياً يعطي للكيان العربي الأرضية ليكون أحد المشاريع المطلوبة في هذه المرحلة التي يعاد فيها تخطيط وإعادة رسم المنطقة ضمن ثلاث قوى يهيأ لها أن تكون هي القائدة للمسيرة في المنطقة، وأعني بذلك عندما يخطط له عالمياً كي يثبت الكيان الصهيوني على حساب الأرض والمصلحة العربية ويعطي للدور الإيراني انتقاصاً من الحقوق العربية، هذا لا يواجه إلا بمشروع عربي متكامل أولى بنا نحن أن نعرف أن لدينا الإمكانات والقدرة والجغرافيا والتاريخ والموارد وكل ما يمكن أن نجابه به أي قوى، والأهم من ذلك أن نؤمن بضرورة أن نفعل ما لدينا ولا نظل نبكي على اللبن المسكوب في كل الميادين
مشاركة :