النسخة: الورقية - سعودي قلّبت أوراقي وذاكرتي أبحث في قول شكسبير: «لا شيء يأتينا من لا شيء». هذا القول اصطدم ببعض المسلّمات، ولكن ربما ما قصده المفكر والأديب الإنكليزي، إحسان البشر ومساوئهم، أعمالهم الخيّرة وجرائمهم، صلاحهم وفسادهم، جدارتهم وضعفهم. في ثقافة الغرب فهموها بجدارة فحسمت أمر دنياهم ومعيشتهم، كان الفكر حاضراً يخطط، والعقل جديراً بالبحث العميق في عدالة اجتماعية تنعم بها الشعوب. المسؤولية في الغرب نجحت بعد الخلاص من محاصصة دوائرها الضيقة، وشُرّعت أبواب الجدارة والكفاءة، متبوعةً بمؤسسات الرقابة والمتابعة والمحاسبة، فارتاح الناس من ضيق القلق والشك والريبة وانطلقوا إلى آفاق الإبداع الرحبة، وأصبحت حياتهم مليئة بالمنافسة على تحقيق الإنجازات، وليس هناك إنسان يأتيه شيء من لا شيء إلا في أمور شاذة لا يحكمها قانون أو تنظمها الحياة العامة، وهذه محصورة في دوائر ضيقة تتطور إلى التلاشي وليس التوسع. «لا شيء يأتينا من لا شيء» غرستُها في جائحة حمي الوادي المتصدع التي اجتاحت منطقة جازان قبل عقد من الزمان، سلّمنا بالقضاء والقدر، والخالق - جلّت قدرته وعظمته - منح الخلق القدرة على الاتعاظ مما يحل بهم من نكبات ومصائب. زالت الغمة وانقشع الخوف برحمة الله، بحثت عن تبعات المسؤولية وخطط المستقبل والدروس المستفادة، لا شيء، لا شيء. هبت أخطار فايروسات الطيور والخنازير وسارس والضنك، مرت بحفلة الأخبار والتعليقات والمقالات الإعلامية. تُهَم هنا وهناك. دفاع وتبرير: من المسؤول؟ أين الوعود التي انطلقت من جازان؟ توقفوا، السياسة الإعلامية الرسمية تحث على الهدوء والسكينة وعدم إثارة الرعب بين الناس. الأمور ستُعالَج بهدوء وحلول استراتيجية جذرية، تحسباً لأي أخطار قد نواجهها في المستقبل، هكذا كانت الوعود الوزارية. بحثت عنها أمس، لا شيء، لا شيء! اليوم وزير جديد يحمل هموم الصحة، إضافة إلى البطالة وتنظيم سوق العمل. أول قرار سليم 100 في المئة اتخذه لمواجهة جائحة فايروس كورونا القاتل: تخصيص مراكز طبية في الرياض وجدة والدمام لاستقبال الحالات المصابة بالفايروس أو المشتبه بإصابتها، وهذا الإجراء مثل ما يقال: أ ب ت ث، في العلوم الصحية، حتى لا تكون المستشفيات في مجملها بؤراً لانتشار المرض ويختلط الحابل بالنابل. «لا شيء يأتينا من لا شيء».. هل كنا بحاجة منذ بدء انتشار فايروس كورونا عام ٢٠١٢ حتى ٢٠١٤، لكي نقيل وزيراً ونعيِّن آخر، كي يقوم بإجراءات فورية عملية، ويستدعي خبراء دوليين في مجال مكافحة الفايروسات ويخصص مراكز طبية لمواجهة المرض؟ وهل صحة المواطن والمقيم دخلت ضمن إطار ودائرة إطفاء الحرائق؟ أنحن معزولون عمّا يحدث في العالم الأول أم أننا لا نعترف بما أنجزوه من تطور هائل في المجال الصحي؟ يجب أن نتوقف قليلاً ونعترف أننا ما زلنا نتخبط في اجتهادات وصلت إلى مرحلة المساس بالأرواح، ومستقبل حياة من يعيشون على هذه الأرض مواطنين ومقيمين. نعم يجب أن نعترف بالعجز في التخطيط والإدارة وحسن التدبير. الوطن بحاجة ماسة إلى خبراء يعملون مع المسؤولين. الاستشاريون أنهكوا الوطن بعقود العروض والدراسات وإعادة الهيكلة، يقدمونها أوراقاً وتذهب أدراج الرياح، لأسباب كثيرة، أهمها عدم توافر الإرادة والقدرات والكفاءات للتنفيذ. لا بد من أن نتوقف قليلاً لتقويم أسباب الفشل في التعليم والصحة، وهي قمة الهرم، ولن تخرج النتائج عن الحاجة الماسة إلى خبراء يعملون ضمن منظومة المسؤولية التنفيذية لمساندتها في التخطيط والتنظيم والأعمال التنفيذية. الحاجات كبيرة جداً، والمملكة قارة تتطلب جهوداً وكفاءات مميزة ومبدعة. كفانا اجتهادات ووعود، فلن يأتينا شيء من لا شيء. * كاتب سعودي. alyemnia@
مشاركة :