تُخصّص قناة «أي خبر» الفضائية الموالية لحكومة حزب «العدالة والتنمية» في تركيا جزءاً من نشرتها الإخبارية الليلية يومياً، لإعادة بث أجزاء من المناظرات السياسية التي كانت تجرى في تسعينات القرن الماضي بين زعماء الأحزاب قبيل جولات الانتخابات الماضية، فيستذكر المواطنون سياسيين غيّبهم الموت أو التقاعد عن المشهد السياسي، مثل سليمان دميريل، نجم الدين أربكان، مسعود يلماز، طانسو تشلر وبولنت أجاويد وأرطغرل تركش. والهدف من هذه الفقرة إنعاش ذاكرة الناخبين في شأن الوعود الانتخابية التي قطعها هؤلاء من دون أن تنفذ، حتى وصل حزب «العدالة والتنمية» إلى الحكم ليحققها. وكذلك لتذكير الأتراك قبيل الاستفتاء على نظام رئاسي موسع بعد شهر، بحقبة الائتلافات الحكومية التي كانت تعاني منها تركيا، والمشاكل التي لم تعد مطروحة اليوم بفضل حكم الرئيس رجب طيب أردوغان. وعلى رغم تحقيق القناة جزءاً من هدفها المنشود من خلال بث هذه المناظرات «النوستالجية»، إلا أنها دفعت أيضاً المشاهدين إلى منحى آخر، ذكّرهم بأن المشهد السياسي قديماً كان أكثر هدوءاً واحتراماً، فكان يمكن مذيعاً أو صحافياً جمع قيادات الأحزاب حول طاولة واحدة والمناقشة بهدوء واحترام مهما بلغت الخلافات، الأمر الذي يفتقده المواطن التركي اليوم، إذ لم يعد ممكناً إجراء مناظرات سياسية على القنوات الإخبارية، في ظل رفض أردوغان وحكومة العدالة والتنمية ذلك منذ نحو 8 سنوات، كما يرفضون الظهور على أي قناة توجه أي انتقاد لهم. ويحصر هؤلاء لقاءاتهم مع القنوات الموالية أو الصحافيين الموالين الذين تؤمَن أسئلتهم. كما تتجنب القنوات الموالية للحكومة استضافة أي مسؤول معارض أو نقل نشاطه السياسي. في السياق ذاته، يتحول أي خلاف سياسي في تركيا بسرعة إلى عراك كلامي، وتنابذ حاد يهوي بمستوى السياسة ومن يعمل فيها، ووفق إحصائيات سجل البرلمان، فإن اجتماعاته سجلت في السنوات الثلاث الأخيرة أعلى وأكبر عدد من السجالات والعراك في تاريخه، مع اتجاه المعدل نحو الارتفاع، حتى بات البرلمان ساحة معركة حقيقية لا توفر حتى النساء. وتقول القيادية القومية ميرال أكشنار التي فُصِلت من حزب الحركة القومية بسبب معارضتها مشروع النظام الرئاسي، إنه «في حال رفض الناخبون هذا المشروع فإن شيئاً في تركيا لن يتغير، فالرئيس لن يستقيل والحكومة ستبقى في مكانها لكن تركيا ستكسب أمراً واحداً في غاية الأهمية وهو الهدوء والاستراحة من هذا التوتر والعراك الكلامي الذي يشد الأعصاب». وأضافت: «في حال قال الناخبون لا، فإن الرئيس أردوغان سيعتكف في قصره أسبوعاً كما فعل بعيد انتخابات حزيران (يونيو) 2015، وغياب الرئيس عن الساحة هذه المدة كفيلة بأن يعيد الهدوء والاستقرار إلى تركيا». ويحمّل المعارضون أردوغان مسؤولية زيادة الاحتقان في الحقل السياسي وانتقاله إلى الشارع، من خلال تعمده اتباع سياسة التوتير مع الخصم السياسي من أجل دفع الناخبين إلى شد صفوفهم إلى جانبه، وهي سياسة يتبعها منذ نحو 8 سنوات. وتعتبر المعارضة أن حديث عدد من قيادات حزب «العدالة والتنمية» عن «انفجار حرب أهلية في تركيا في حال فشل مشروع النظام الرئاسي» امتداد لهذه السياسة التي تقوم على اتهام كل معارض للنظام الرئاسي بأنه إرهابي أو انقلابي. ويحذر سياسيون من ارتفاع منسوب التوتر والغضب في الشارع التركي في شكل غير مسبوق على خلفيات سياسية ومذهبية وقومية، ما قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي بغض النظر عن نتيجة الاستفتاء، بعد أن تحول الاستفتاء بحد ذاته من اختبار للتوجه السياسي للشعب حول نظام الحكم الذي يفضله، إلى حرب ثأر وانتقام بين فريقين ما عاد يجمع أو يفرق بينهما سوى العلاقة والنظرة إلى أردوغان.
مشاركة :