وقال معاليه: غير أننا نجد لدى التأمل أن الحرية إذا أطلقت على عواهنها، حولت الإنسان إلى مصدر أخطار وفوضى تهدد المجتمع برمته؛ فلن تجد في العالم مجتمعاً ينعم بالنظام والأمن، إلا وحريات الأفراد فيه منضبطة بقواعد تقتضيها المسؤولية الاجتماعية، والتوافق مع مقتضيات الأنظمة التي تحكم الدولة، وتنظم شؤون المجتمع على وجه يضمن العدالة ويحقق الأمن والاستقرار. وأضاف كل مجتمع له الحق والسيادة الكاملة في الاستناد إلى خصوصياتها الثقافية في تكوين مرجعية عليا لمنظومتها القانونية، ومما تتميز بها المجتمعات المسلمة أن للدين أهمية مركزية في توجيه السلوك الفردي والعلاقات الاجتماعية، وهو هو مصدر قيمها الخلقية والاجتماعية ومقياس مُثلها العليا. والإسلام ليس قاصراً على الشؤون الاعتقادية والتعبدية، بل هو نظام شامل للحياة، يمدها بمبادئه وأصوله التشريعية في مختلف المجالات. فلا يصلح حال المسلمين إلا على أن تكون دساتيرهم أو أنظمتهم التأسيسية، مستلهمة مما انطوى عليه الكتاب والسنة، من قواعد كلية وأصول عامة، وأن لا تكون الأنظمة الفرعية في شيء منها متعارضة محكمات الشريعة وثوابت الإسلام. وأردف قائلاً وبهذه الخصوصية التي تعطينا هويتنا، وتحفظ لنا مكانتنا الحضارية بين الأمم، نتعامل مع مفهوم الحرية إنْ في تصورها أو تطبيقها، بمعاييرنا الإسلامية، وضمنَ منظومتنا الفكرية وسياقنا الحضاري؛ فحرية التعبير أو غيرها من الحريات الشخصية، لا يجوز بحال من الأحوال أن تكون مسوغاً لإسقاط الاعتبار لقيم المجتمع وثوابته، ولا لضرب خصائص الأمة وأخلاقها ومرجعيتها الأساسية، والاستخفاف بالمقدسات الإسلامية والأحكام الشرعية الثابتة؛ فإنها إذ ذاك تشكل تهديداً غير مباشر للأمن والاستقرار في المجتمع المسلم. وعبر عن مله في أن يسفر هذا المؤتمر عما يرجى منه من نتائج تعزز الأمن الفكري للأمة، وتسهم في تبديد ما يثار من الشبهات حول موقف الإسلام من الحقوق والحريات، ومن أبرزها حرية التعبير، في خضم التحولات المتسارعة والانفتاح الواسع على الثقافات والأفكار، وما يستتبعه من انتشار الدعوات المنحرفة عن جادة الحق والهدى الذي جاء به الإسلام، وأن تركز نتائج المؤتمر على إيضاح العلامات الفارقة بين الحرية التي كفلها الإسلام، وربطها بكرامة الإنسان، وما تقتضيه من التزامات ومسؤوليات تجاه الآخرين، وبين الفوضى والانحلال من قيود الأخلاق والقيم المجتمعية، والعبث بالأمن الفكري للأمة والمجتمع. ورفع معالي الدكتور العيسى باسم رابطة العالم الإسلامي ومجمعها الفقهي والجهات المتعاونة معها، شكرها الجزيل إلى خادمِ الحرمين الشريفين، الملكِ سلمان بنِ عبد العزيز آلِ سعود، أيده الله، وإلى سمو وليِّ عهده الأمين ، وإلى سمو ولي وليّ العهد ، على الرعاية الكريمة لهذا المؤتمر، ولمختلف مناسبات الرابطة، وتشجيعها ودعم مناشطها، انطلاقاً من المنهج الذي تسير عليه المملكة في خدمة الإسلام والدفاع عنه، والاهتمام بقضايا الأمة وشؤون المسلمين المختلفة. كما عبر عن شكره لصاحب السمو الملكي الأميرِ خالد الفيصل أميرِ منطقة مكة المكرمة، على اهتمامه المتواصل بالرابطة ومناسباتها، وتفضله بافتتاح هذا المؤتمر نيابة عن خادم الحرمين الشريفين ولسماحة المفتي العام للمملكة، ورئيسِ المجلس الأعلى للرابطة،الشيخ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الله آلِ الشيخ ولأصحاب المعالي والفضيلة المشاركين في هذا المؤتمر، والإخوة الإعلاميين، على مشاركتهم وتعاونهم مع الرابطة. // يتبع // 16:57ت م عام / خادم الحرمين الشريفين : المملكة تحرص على أن تقدم أنموذجاً يقتدى لحماية الحقوق والحريات المشروعة / إضافة خامسة واخيرةعقب ذلك ألقى سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء رئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ كلمة رحب فيها بصاحب السموِّ الملكيِّ الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز، ومعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى ، والحضور. وقال : نشكر رابطة العالم الإسلامي على إقامة هذا المؤتمر الذي يدل على تحسسها لمشاكل الأمة الإسلامية، وقضايا العالم الإسلامي ، وذلك من خلال إقامة مؤتمرات لمباحثة ومناقشة ما يستجد من أحداث وقضايا ومشاكل تؤرق قلب كل مسلم غيور وكل مهتم بشأن الإسلام وأهله . وأضاف سماحته قائلا : إن الإسلام جاء لهداية البشرية ، وإخراجهم من ظلمات الكفر والضلال إلى نور الإيمان والهداية إلى الصراط المستقيم ، وقد نزل الله كتابه الكريم فيه الهدى والبيان والنور والشفاء لما في الصدور، وقد تضمن هذا الكتاب الكريم بيان جميع الأحكام المتعلقة بأمور العقيدة من الإيمان بالله وكتبه ورسله والإيمان بالغيب والإيمان بالآخرة وما فيها من البعث والنشور والجزاء ثم الحياة الأبدية إما في الجنة والنعيم للمؤمنين أو في النار والجحيم للكافرين . كما بين هذا الكتاب جميع الأحكام المتعلقة بالإنسان في هذه الحياة الدنيا ، من تنظيم الأمور الشخصية للفرد ، والشؤون المتعلقة بالجماعة ، والأسرة المسلمة ، والمعاملات ، والقضاء ، والعلاقات بين أفراد المجتمع المسلم بمختلف طبقاته . وبين سماحته أن المحرمات والمعاصي التي يحرم ارتكابها وما يترتب على ذلك من عقاب في الدنيا أو عذاب في الآخرة حيث لم يترك الإسلام أمرا إلا وبين حكمه في نصوص صريحة واضحة في كتاب الله الكريم ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ببيان شاف ليس للشك فيها مجال ولا للزيع عنها مساغ ، ولا لأحد في مخالفتها عذر ولا حجة ولا برهان. وقال سماحته : والواجب عليه كذلك التسليم التام لحكم الله ورسوله وعدم مناقضته, قال تعالى: ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلً ضلالاً مبينا)، وقال تعالى : (قل أطيعوا الله والرسول فإن تولًوا فإن الله لا يحب الكافرين) والواجب عليه كذلك إذا اشتبه عليه شيء من أمر الدين أن يرجع إلى محكماته وثوابته وأن لا يتبع المتشابه, فأتباع المتشابه من صفات الذين في قلوبهم زيغ وضلال, قال تعالى: (هو الذي أنزل عليك منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تاويله وما يعلم تاويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب). وحذر مفتى عام المملكة المسلم من أن يجعل عقله وهواه حاكماً على ما يثبت بنص الكتاب الكريم أو ثبت في السنة النبوية المطهرة، قال تعالى: (قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله قل لا أتبع أهواءكم قد ضللت إذا وما أنا من المهتدين ). حضر الحفل صاحب السمو الأمير فيصل بن محمد بن سعد وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة المساعد للحقوق، وعدد من أصحاب المعالي ونخبة من علماء الأمة الإسلامية والباحثين و المفكرين. // انتهى // 16:57ت م spa.gov.sa/1603839
مشاركة :