المؤلف جون نيكسون | ترجمة وإعداد محمد حسن يقدم الكتاب صورة لصدام بعد اعتقاله وإيداعه السجن تحت حراسة الجيش الأميركي، وكان المؤلف أول من التقاه في السجن، وأجرى معه لقاءات مطولة تعطي صورة لحياة صدام وذهنيته، وهي صورة شخصية معقدة تتميز بسلوك عدواني وحشي، ونقدم في ما يلي بعض الفصول من الكتاب: (1) المؤلف: جون نيكسون كان يعمل في منصب كبير محللي شخصيات الزعماء في الـ {سي – آي – إيه} في الفترة ما بين 1998 و2011، كما عمل خبيرا في تدريس الأجيال الجديدة في الوكالة في مجال تحليل الزعماء، وخبيراً في شركة دولية لتحليل المخاطر في أبوظبي. شكّل التحقيق مع صدام تحدياً، خاصة بالنسبة للفريق الأول، فقد كان واضحاً أنه غير راض بالمصير الذي آل إليه، وظل باستمرار يحاول التحكم في عملية التحقيق. وبعد مرور عدة أسابيع تمكنا من وضع مخطط للتعامل والتواصل مع صدام، وقد بدأ يتقبل الظروف الجديدة التي تحيط به، ووضعه قيد الاعتقال، وشكل ذلك نقطة بداية لفرق التحقيق التي جاءت في وقت لاحق، ويمكن لصدام أن يكون صريحاً عندما يناسب ذلك أهدافه، فعندما كان يشعر بأنه ليس لديه ما يخفيه كان يتحدث بحرية، وقد قدم بعض اللمحات المثيرة للاهتمام فيما يختص بحزب البعث وسنواته المبكرة على سبيل المثال، غير أننا أمضينا معظم وقتنا في إزالة طبقات من السواتر الدفاعية التي كانت تهدف إلى إعاقة عملنا أو خداعنا، وبصفة خاصة في بعض الجوانب، مثل تاريخ حياته وانتهاكات حقوق الإنسان، وأسلحة الدمار الشامل من بين بعض قضايا أخرى. يصعب إسكاته وكان صدام عنيداً ويتميز بالدهاء والمناورة، كما كان يجيد الحكم على قدرة محاوريه، حيث يظل باستمرار يبحث عن جوانب الضعف لديهم، والتي تمنحه التفوق عليهم. وكان همه الأكبر هو السيطرة، ليس خلال جلسات التحقيق فقط، بل عندما كان الأمر يتعلق بحراسه، ووجباته والفحوصات الطبية وظروف اعتقاله أيضا، لأنه كان يقف بوجه أي جهد يبذل للسيطرة عليه، أو تحدي إحساسه بالسيطرة، وقد راعينا للأسف غروره، وكنا نطرح أسئلتنا بطرق ملتوية، وقد أبدى صدام في معظم الأحوال اهتماماً واستعداداً لمناقشة مجموعة واسعة من الموضوعات، وفي بعض الأحيان كان يصعب إسكاته، فقد كان يحب الكلام، خاصة عن نفسه، ولكن عند مواجهته بمسؤوليته فيما يختص بالمحن التي لحقت بالعراق يصيبه الغضب، وينظر إلينا بوجه عابس، وفي المواضيع التي لا يتم فيها تناول تجريم الذات والمسؤولية الشخصية تجده يتمتع بذاكرة حادة. وكنت في بعض الاحيان أطرح عليه سؤالاً مبهماً، أو أطلعه على صورة التقطت قبل 25 عاما. ويأتي رده صحيحاً وبالتفصيل. وعلى خلاف بقية السجناء، لم يكن يبدو منزعجاً من حالة الاعتقال ذاتها، وربما يعود ذلك إلى فترة سجنه لمدة عامين في السابق في الفترة ما بين 1964 إلى 1966، أو ربما لان حياته رئيسا للعراق كانت تخضع لنظام منضبط يبدو كالسجن، فهو لم تبد عليه أي علامة للقلق أو الارتباك او الشك المرضي او الوهم، بل إنه في بعض الأحيان يعبر عن حس السخرية تجاه الذات، وفي أحيان أخرى يعبر عن عدم الاهتمام بحركة هز الكتفين، وغالباً ما كان يرد على الاسئلة باسئلة منه أو اعطاء إجابات بأمثلة وحكايات رمزية، كما أنه في الأغلب يجعل من يطرح عليه السؤال يشرح ما يقوله. وهو ليس شخصا حضريا من أهل المدن، فحديثه وتصرفاته انما تعكس خلفيته الريفية العشائرية التكريتية، بيد إن مظاهر الضعف هذه تعد مصدر فهمه الفطري العميق للمجتمع العراقي، وادوات السلطة اللازمة للسيطرة عليه. صورة مختلفة عن شخصيته لقد اشار التقييم الأولي لصدام بانه مصاب بداء الكذب المزمن، غير انه ليس كل ما قاله يدخل في مجال الكذب، بل على العكس من ذلك فإنني اعتقد أن من صاغ صورته الشخصية كان مخطئاً، فقد كان هناك ميل لدى معظم من تعاملوا مع الدكتاتور العراقي لتضخيم كل ما يقوله، ما عدا امكان اعترافه بامتلاك اسلحة دمار شامل أو إصداره أوامر بتنفيذ إبادة جماعية، وصدام يمكنه ان يكون صريحاً إذا ما اراد ذلك، غير ان افكارنا المسبقة عنه طغت علينا، ففي احدى المرات سألناه عن علاقاته بزعماء الدول المجاورة، وشرع صدام في اعطائنا رأيه بصراحة تامة، وكان في اغلبه سلبياً حول الرئيس السوري بشار الأسد وغيره. وفي اليوم التالي عند استئنافنا للنقاش، قال صدام «اعتقد انني قلت ما هو أكثر من اللازم بالامس. وبالتالي فإنني لن اقول اي شيء الآن». معتقل قريب من المطار عندما صرح دونالد رامسفيلد بعد أيام من اعتقال صدام، لشبكة سي – ان – ان الاخبارية ان وكالة الاستخبارات الاميركية ستكون أول من سيجري التحقيق معه، أحدث ذلك هزة في صفوفنا، فالى ذلك الوقت ظل مكان تواجده سراً لم يكشف عنه، غير ان تصريح رامسفيلد للوكالة أوشك ان يفشل العملية. وما كان يقلقنا ان تنقلنا اليومي الى المطار ومنه قد يؤدي إلى جعل الاعين التي تراقبنا وافتراض ان امرا مهماً يدور قريباً منه، وكان صدام معتقلاً في منشأة التحقيقات الميدانية، وهي في مقر الحرس الجمهوري الخاص القديم القريب من المطار، والذي كان يستخدم حينها كمركز احتجاز أسرى المعارك، وبينما لم يكن ذلك مصدر قلق بالنسبة لرامسفيلد إلا أنه شكل قلقاً بالغاً لنا وللأدميرال وليام ماكرفين الذي كان مسؤولاً عن رعاية ووضع صدام، وبالرغم من أنه لن يتمكن من الفرار البتة في واقع الأمر، فإن سلامته كانت تتطلب حرصاً، فقد كانت زنزانته قريبة من طريق رئيسي، وعلى مدى يسهل ضربه بالصواريخ أو قنابل الهاون. كما أن محققي الاستخبارات المركزية معه سوف يصبحون بالطبع تحت تهديد تناول النيران. وحين بدأنا نستعد للتحقيق قررت الوكالة ضم خبير تسجيل لحضور جلسات التحقيق إلى جانبي ومترجم من الجيش النقيب أحمد، وهو فلسطيني الأصل، وخبير التسجيل بروس لم يكن دوره القيام بإجراء اختبارات الكذب، فقد رأت الوكالة أن أسلوبه المنمق في الحديث قد يجعل صدام يسترخي ويلين، وبروس لم يكن يعرف أي شيء عن العراق تقريباً، وكان يضطر إلى الطلب مني تقديم اقتراحات للمواضيع التي نناقشها معه. سوابق تاريخية وذات ليلة جلست مع بروس وتحدثت معه حول العمل الذي كنت أقوم به كمحلّل أوكلت إليه مهمة المساعدة في تتبع صدام والوصول إليه، وكانت الوكالة قد ابلغتنا أن نكون على استعداد للتحقيق مع واحد من أكثر دكتاتوريي القرن العشرين شهرة، ولكننا لم نكن نعرف مدى الوقت الذي سيتاح لنا، ولا موعد الشروع في التحقيقات وانتهائها. وقلت لبروس إن ضابط الاستخبارات كيم فيليبي عندما فرّ من بريطانيا إلى الاتحاد السوفيتي في عام 1963 امتدت فترة استخلاص مسؤولة في وكالة الاستخبارات السوفيتية للمعلومات منه فترة عامين، وبالطريقة ذاتها فإن مجرم الحرب النازي أدولف أيخمان الذي اختطفه جهاز الموساد في عام 1960 ونقله إلى القدس ملأت عملية استخلاص المعلومات منه أكثر من 3500 صفحة، و127 صفحة من مذكرات كتبها إيخمان نفسه، وكنت أود الطلب من صدام القيام بذلك غير أن حراسه العسكريين رفضوا إعطاءه أدوات للكتابة خشّية استخدامها في إيذاء نفسه. لا أسئلة عن الإرهاب والتوجيه الوحيد الذي بلغنا من المقر الرئيسي للوكالة في «لانغلي» هو أن عملاء من مكتب التحقيقات الفدرالي سوف يصلون في تاريخ لم يحدد، قريباً، وأن علينا الحصول على أكبر قدر من المعلومات ما أمكننا ذلك قبل تحويل عملية التحقيق إلى مكتب التحقيقات الفدرالي. وأرسل لنا المكتب الرئيسي قائمة أسئلة نطرحها على الدكتاتور العراقي العديد منها لم تكن ذات أهمية كبرى. فقد كانت الوكالة مهتمة بتحديد المكان الذي أخفى فيه صدام أسلحته للدمار الشامل. وهذه المسألة تحولت إلى نقطة نزاع فيما بيننا وبين صدام. وقد كان الموضوع الوحيد الذي تم استبعاده هو موضوع الإرهاب. فقد ترك هذا الأمر لمكتب التحقيقات الفدرالي الذي قد يحاول إعداد قضية جنائية ضد صدام تقوم على ما يقال عن ارتباطه بالإرهاب الدولي وجرائم ارتكبت ضد الولايات المتحدة. ولم يتحدد مكان رفع تلك القضية، فقد كانت هناك مشكلات في ما يختص بالبدائل الثلاثة الممكنة. إذ يمكن ان يحاكم صدام أمام المحكمة الجنائية الدولية غير أن هذا أمر بعيد الاحتمال لأن إدارة بوش لم تكن تعترف بصلاحياتها. كما يمكن أن يحاكم أمام محكمة عراقية، وهو أمر لم يكن قائم بعد، وأن القوانين السارية في ذلك الوقت كانت فقط تلك التي صاغها حزب البعث. أو أنه يمكن أن يحاكم في الولايات المتحدة، وذلك خيار تم رفضه في نهاية المطاف من قبل واشنطن. ومهما كان المكان الذي سيحاكم فيه، فإن الادعاء سوف يستخدم المعلومات الناتجة عن التحقيق معه كدليل ضد صدام، وكانت حكومة الولايات المتحدة ترغب في التأكد من أن من لديه معرفة بالعملية القانونية أي مكتب التحقيقات الفدرالي، يقوم بجمع الأدلة التي تعرض على المحكمة. تناقض التعليمات وبعد عدة أيام من بداية تحقيقاتنا بعثت وكالة الاستخبارات الأميركية أحد محاميها لكي يوضح لنا القواعد الأساسية لكيفية التعامل معه. وعند وصوله سأل عن كيفية سير الأمور. وقلت له لقد كان لنا لقاء واحد مع صدام، وأنه لم يقل أي شيء ذي قيمة في ما يختص بالقضايا الأساسية، مثل انتهاكات حقوق الإنسان أو أسلحة الدمار الشامل. وقال المحامي «حسناً، كل ما قلّ ما يقوله لنا كان ذلك أفضل، لأنه إذا قال أي شيء ذي قيمة، سيجب علينا توثيقه وستضطر أنت للمثول أمام المحكمة». وأصابني هذا القول بالحيرة. ففي البداية كنا قد أبلغنا بأن نجعل صدام يتحدث، والآن يقال لنا التأكد من عدم ادلائه بأي شيء يعتبر ذا قيمة. والآن فإن التوجيه الصادر لنا هو بكل بساطة إبقاء عملية النقاش مع صدام مستمرة، ولكنه فقط بأمل ألا يقدم على قول أي شيء يجرّمه وذلك حتى تكون الوكالة قد استعدت لتتولى أمر العملية. ونظرت إلى بروس الذي رد علي بنظرة تعبر عن حيرة. وفي العشرين من ديسمبر، وبعد أسبوع من اعتقاله ذهب فريقنا إلى المطار لمعرفة المكان الذي سوف نستجوبه فيه. وعند وصولنا منشأة التحقيقات الميدانية، قدمنا أنفسنا إلى مسؤولي الجيش الأميركي هناك. والتحقيقات هناك تجري في غرفة خالية بها كراسي بلاستيكية داخل مبنى حراسة معتم. ووضع العسكريون مايكرفون وكاميرا صغيرة لنقل الإجراءات إلى أشخاص آخرين في غرفة أخرى مجاورة. وقد أدى هذا الأمر إلى طلب بعض المتطفلين الاطلاع على الإجراءات، ولكن تم رفض معظم تلك الطلبات. وبعد تجولنا حول المكان طلب قائد فريقنا تشارلي استخدام هاتفي النقال لأنه كان يود الاتصال برئيس المركز. وذهب إلى الخارج لإجراء المحادثة. وكان تشارلي مسؤولاً عن الإشراف على عملية التحقيق بأكملها، ابتداء من التقارير اليومية إلى التقارير الاستخباراتية المكتملة المستخلصة من جلسات التحقيق. ولكنه لم يكن يحضر تلك الجلسات. وعاد بعد مضي دقائق وأبلغنا ان الرئاسة ترغب في شروعنا في التحقيقات فوراً، ولن يكون هنالك إعداد ولا وقت لدراسة خطة العمل، ولا وقت لتقرير أي من الموضوعات يجب إثارتها أولاً. وكان علينا الشروع في أقرب وقت لأن ذلك أفضل، لأن هدفنا كان إجراء أكبر عدد ممكن من جلسات التحقيق ما أمكننا ذلك قبل قيام مكتب التحقيقات الفدرالية بأخذ مكاننا. من أنتم؟.. ما أسماؤكم؟ وقام بروس بمهمة تعريفنا به، حيث قدم نفسه على انه مستر جاك، وأنا مستر ستيف، وعندما سألته في وقت لاحق عن سبب قيامه بذلك، قال إن هدفه حمايتي. ومذ ذاك ظل صدام يعرفني بأنني مستر ستيف. وكان ذلك أمراً جيداً ما عدا في اليوم الذي اضطررت فيه إلى وضع بطاقة هويتي حول عنقي. ورأيت صدام يطالع البطاقة، ولاحظت انه كان يحاول قراءتها. ولكني تمكنت من نزعها غير أنه تدخل قائلاً «من أنتم؟ ما أسماؤكم؟ أريد أن أعرف ذلك الآن». إننا لم نطلعه من نحن بالضبط. بل قلنا له أننا نمثل الحكومة الاميركية فقط، ولكن كنا متأكدين من انه يعرف المنظمة التي ننتمي اليها. وابتسم صدام اخيرا وقال «لا بأس فهمت الأمر». ولقد ظللت صامتاً في أول جلستين مع صدام. فبعد دراسة تاريخه لعدة سنوات، وجدت نفسي الآن في خضم ذلك التاريخ، فعندما تكون محللاً للقيادة في وكالة الاستخبارات الاميركية تجد نفسك تطالع الوضع من على بعد. فقد عرفت صدام من خلال الروايات التي ترد في كتب السيرة وعبر تحليل روابطه الاسرية وشهادات المواطنين الفارين من العراق والتقارير السرية حول اسلوب قيادته وتجاوزاته التسلطية، واخيراً وجدته يجلس قبالتي. وقد كان هدف الجلسة الاولى حث صدام على الكلام. ولم نقم بطرح أي اسئلة مستفزة، لأننا كنا نتحسس الوضع. كما كان علينا كسب ثقته أو على الأقل تحمله لنا، لأنه لم يكن لدينا ما نقدمه له لقاء تعاونه معنا. ولم نستطع ان نقول له اننا قد نتحدث الى القاضي، ونطلب منه تخفيض فترة العقوبة، اذ لم تكن لدينا فكرة حول الكيفية التي سيحاكم بها صدام، الجهة التي ستحاكمه. وابلغناه اننا نود ان نناقش احداث نظامه معه. وأكدنا له ان صناع القرار في الولايات المتحدة مهتمون للغاية بما قد يقوله. وعرضت له عددا من الكتب تحمل اغلفتها صورته، وقلت له ان هنالك الكثير من المعلومات عنه في الغرب البعض منها غير صحيح والبعض الآخر صحيح، واخرى لسنا واثقين منها بكل بساطة. وقلت لصدام ان هذه فرصته الوحيدة لتصحيح ما يقال، وتعريف العالم بنفسك ومن تكون. وكان صدام يستمع لي ويهز رأسه. وكان المترجم احمد مفيدا للغاية، فقد كان الوحيد الذي يتحدث العربية في قاعة التحقيق. وكان احمد لدى معلومات عن بعض ما قام به صدام في الفترة ما بين الليلة التي اعتقل فيها وجلسة التحقيق الاولى. وقال ان صدام قد تأقلم بصورة سريعة مع الظروف المحيطة به، وبدا متواضعا بعض الشيء، حيث طلب ذات مرة ابرة وخيط لأنه يريد ان يرمم ملابسه. (يتبع) اثناء المحاكمة (أرشيفية) غرفة التحقيقات ذهبنا إلى غرفة التحقيقات، ونظمنا أنفسنا وأعددنا كل شيء، وانتظرنا قدوم صدام. وكان هنالك كرسي شاغر لكي يجلس عليه الدكتاتور العراقي. وفجأة فتح الباب ودخل صدام يرتدي غطاء على رأسه ووجهه، وهو يمسك بيد أحد الجنود الذي أدخله الغرفة. وأزيل الغطاء وجال صدام بنظره حول الغرفة بطريقة سريعة للغاية مستوعباً ما بها. وكان يبدو مثلما ما كان عليه عندما رأيته في الليلة التي اعتقل فيها. وكان يرتدي جاكيتا مبطنا أزرق اللون ودشداشة. وكان شعره طويلاً يحتاج إلى حلاقة. وتوقف لبرهة ينظر إلينا كل واحد على حدة. وسار نحونا وابتسم ابتسامة ودودة، وصافحنا بترحاب. وبدا وكأنه يود استخدام سحره الخاص لكي يكسبنا لجانبه في أول لقاء بنا. ومهما كانت الفظائع التي ارتكبها ظل صدام محتفظاً بشخصيته الكارزمية. وكان ضخم البنية وطويل القامة. كما كان يتسم بحضور طاغ. وحتى ضمن ظروف وضعه كأسير ينتظر بكل تأكيد تنفيذ حكم الإعدام فيه، ظلت تظهر عليه سمات الأهمية. أسير حرب تحدثت وبروس لثلاث ساعات عن صدام، وتاريخه كمسؤول وقصة حياته، والدوافع والحوافز وراء تصرفاته، وما هي السبل التي يمكن استخدامها لجعله يتحدث إلينا، ويمكنني القول من خلال الطريقة التي تصّرف بها صدام في الليلة التي أكدّنا فيها هويته، إنه سيحاول أن يستخدمنا بعضنا ضد بعض، ومما جعل مهمتنا أكثر صعوبة بكثير ولم تكن لدينا لا جزرة ولا عصي لاستخدامها، في جعله يفضي لنا بما لديه من قول، وفي البداية كان رئيس فريقنا يرغب في اتخاذ اسلوب عنيف، ونزع ثيابه عنه وسكب ماء بارد عليه، وهو أسلوب يستخدم ضد بعض السجناء ويحقق بعض النتائج، وكانت تلك فكرة سيئة، وكنت أعتقد أنها ستقود إلى إذلاله وتعزيز إصراره على عدم إبلاغنا بأي شيء ذي أهمية، غير أن مقر الوكالة في «لانغلي» أوقف هذا التصرف، فبعد وقت قصير من اعتقاله منح وضع أسير حرب، الأمر الذي يمنحه حماية اتفاقية جنيف لأسرى الحرب. كما جاءنا من المقر الرئيسي للوكالة أن الولايات المتحدة ترغب في معاملته معاملة أفضل من بنود اتفاقية جنيف. وكان هذا الأمر يعني عدم استخدام أي أساليب قسرية من أي نوع أثناء التحقيق معه. وفي واقع الأمر فقد كانت الوكالة تشعر بعدم الارتياح لوصف ما نقوم به بأنه «استجواب»، بل ان نقوم بـ«استخلاص» معلومات من صدام.
مشاركة :