المؤلف جون نيكسون | ترجمة وإعداد محمد حسن يقدم الكتاب صورة لصدام بعد اعتقاله وإيداعه السجن تحت حراسة الجيش الأميركي، وكان المؤلف أول من التقاه في السجن، وأجرى معه لقاءات مطولة تعطي صورة لحياة صدام وذهنيته، وهي صورة شخصية معقدة تتميز بسلوك عدواني وحشي، ونقدم في ما يلي بعض الفصول من الكتاب: (1) المؤلف: جون نيكسون كان يعمل في منصب كبير محللي شخصيات الزعماء في الـ {سي – آي – إيه} في الفترة ما بين 1998 و2011، كما عمل خبيرا في تدريس الأجيال الجديدة في الوكالة في مجال تحليل الزعماء، وخبيراً في شركة دولية لتحليل المخاطر في أبوظبي. لا يقر صدام البتة بأي ذنب اقترفه بالنسبة للجرائم التي اتهم بارتكابها، وكان غالباً ما يرد على الاسئلة حول انتهاكات حقوق الإنسان بإبلاغنا بأن علينا الرجوع الى القائد الذي كان في موقع تلك الجرائم. وأكثر من مرة اقترب فيها من الاعتراف بارتكابه لخطأ عندما تحدث عن غزو الكويت في عام 1990، والسبب الذي قدمه القول إن الكويت كانت تسرق النفط العراقي عن طريق «الحفر المائل»، وهي طريقة يقوم بها بلد من البلدان بسحب النفط من آبار خارج نطاق حدوده. وتشمل الأسباب الاخرى عدم قدرة العراق على سداد 50 مليار دولار كان قد اقترضها من الكويت خلال الحرب العراقية – الإيرانية، وزيادة الكويت لانتاجها النفطي، مما ادى الى خفض الأسعار الى 18 دولارا للبرميل، وتقليص عائدات العراق النفطية. وكانت الكويت قد استجابت لمواصفات الأوبك قبل عدة ايام من الغزو. وقد قوبل غزو الكويت والسبعة أشهر من الاحتلال التي اعقبته بإدانة دولية واسعة، كما أدى إلى حرب الخليج التي تلته. وقد أدى الغزو كذلك الى نزوح أربعمئة ألف كويتي الى خارج البلاد، ويشكل هذا العدد نصف تعداد سكان البلاد تقريباً. ونهب العراق ممتلكات الكويت، واثناء انسحاب القوات العراقية قاموا بإضرام النار في ستمئة بئر من السبعمئة بئر نفط في الكويت، مما نتج عنه حدوث دمار بيئي، واصابة الكويتيين بمشكلات صحية. علامات الكرب والصداع ففي أول اجتماع لنا لاحظت ان صدام يقشعر عند ورود ذكر الكويت. وعندما اثرت الموضوع مرة اخرى بدت على وجهه نظرة ألم وكرب، وحاول تغيير الموضوع. وقررت ترك الأمر لأننا كنا نحاول ان نجعله يتحدث، ولم أكن أرغب في اسكاته قبل أن نبدأ في حديثنا. وقمت خلال لقائنا التالي بإثارة موضوع الكويت مرة أخرى. ووضع صدام كلتا يديه فوق رأسه، وقال «آهههه، إن هذا الأمر يصيبي بصداع بالغ»! وكان ذلك اعترافا مباشرا بانه كان قد تصرف تصرفاً خاطئاً، وأنه لا يزال لا يستطيع نسيان ذلك. تواجد الأميركان في السعودية ففي عام 1990 ساهمت الأربع والثلاثون دولة التي شكلت التحالف لمواجهة العراق بسبعمئة الف جندي، من بينهم 540 الف جندي اميركي نشر معظمهم في البداية في المملكة العربية السعودية. وسألنا صدام ان كان قد فكر في أمر استخدام اسلحة الدمار الشامل في ضربة استباقية ضد القوات الاميركية المتواجدة في المملكة العربية السعودية. وقال «اذا كان جنودكم قد تركزوا في اي بلد آخر غير المملكة العربية السعودية لكنا قد اعتدينا عليها. والمملكة أرض مقدسة بالنسبة لنا ولم نرغب في ارتكاب إثم بالحاق ضربة لكم هناك، كما اننا لم نفكر البتة في استخدام أسلحة الدمار الشامل، بل لم تتم مناقشة هذا الأمر، استخدام الأسلحة الكيماوية ضد العالم؟ كيف يفكر إنسان في كامل قواه العقلية في ذلك؟ كيف نستخدم هذه الأسلحة في الوقت الذي لم تستخدم فيه ضدنا»؟ التحُّركات باتجاه الكويت وسألنا صدام حول نواياه في أكتوبر 1994 عندما نقل العراق 10 آلاف جندي من بينهم كتيبتان من قوات الحرس الجمهوري الخاصة إلى الحدود الكويتية، وقال ان تلك التحركات كانت مناورات الغرض منها جعل الولايات المتحدة والكويت يخمنان حول النوايا، وتعريف قواته بأرض المعارك المحتملة في جنوب البلاد، وأضاف «انتم تعرفون اننا كنا ما زلنا في حرب في ذلك الوقت منذ عام 1991، وعليه فان ابقاء الجيش في مكان واحد ليس أمراً جيداً، لأن العدو سوف يعرف مكان وجود قواتنا، وبالتالي فان التحرك والمناورة يجعلان العدو يتساءل عما يدور، وقد كنا نأمل في إخافة الكويتيين وجعلهم يوقفون الاشتباكات الحدودية، وكان ذلك بصفة رئيسية تكتيك للاخافة، وبالتالي خافوا، وبعض الناس تركوا الكويت لانهم كانوا خائفين للغاية، وكان ذلك أمراً جيداً أيضاً، ولكن لم تكن تلك نيتنا»، وأعلن الرئيس كلينتون بانه سيكون «خطأ فادحاً» إذا ما اعتقد صدام ان تصميم الولايات المتحدة قد ضعف منذ حرب الخليج، واصدر أوامر للسفن الحربية الأميركية بالتوجه إلى الخليج والاستعداد لنشر أربعة وثلاثين ألف جندي من القوات البرية في المنطقة، كما عبر مجلس الأمن أيضاً عن ادانته الشديدة لتحرك القوات العراقية التي تم سحبها على عجل. بدأنا الجلسة الرابعة بسؤال ذي صلة بالتاريخ، حيث طلبنا من صدام تعريفنا بقادة العالم المفضلين لديه. وفكر في الأمر لفترة طويلة، وبعدها جاءت إجاباته مفاجئة ومثيرة للاستغراب. وقال إنه معجب بشدة بكل من ديغول، ولينين، وماو، وجورج واشنطن. وكانوا جميعا مؤسسين لنظم سياسية، وشعر صدام بارتباط بهم، ربما لأنه أسهم في صياغة وتشكيل العراق الجديد وحزب البعث. ولكن ما لفت الانتباه أنه لم يذكر أي زعيم عربي. كما قال صدام إنه معجب بالفرنسيين بصفة خاصة، وأضاف «لقد سافرت إلى هناك مرتين، حيث تعرفت على رئيس بلدية باريس جاك شيراك معرفة جيدة. وكنت أنوي العودة لزيارتها، ولكن بعدها بدأت الحروب، ومن يكون لديه الوقت للسفر عندما يكون بلده في حالة حرب». وعن سؤالنا له عن علاقته بجاك شيراك، قال صدام إنه لا يفهمه. فقد كان يعتقد انهما صديقان، غير ان شيراك لم يحاول مساعدته. فقد كان صدام يعتمد على فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن، في تقديم الدعم لجهوده الرامية إلى رفع العقوبات الدولية عنه. غير ان الفرنسيين لم يكونوا يستطيعون مساندة صدام بالدرجة التي كان يشعر أنه يستحقها. وخلال تبادل ذلك الحديث بدا وكأنه كان يزيح عن نفسه أمراً مزعجاً. متابعة اختفاء أمواله وسألت صدام عن المال الذي وجد معه عند اعتقاله، وبدت على وجهه ابتسامة متكلفة، وتبعتها ضحكة مكبوتة غاضبة، وأدلى بمبلغ ضخم من الدولارات، وقال ان ذلك المبلغ كان معه في ذلك الوقت عندما وصلت إليه القوات الأميركية، وان البعض منهم أخذ من مالي ما أراد، وكان صدام جاداً للغاية عند حديثه عن هذا الأمر، ويمكن ملاحظة انه كان غاضباً للغاية لأن شخصاً ما سرق ماله، ويريد منا متابعة ذلك المال الذي اختفى، وقلت له انه من المستبعد قيام الجنود الأميركيين بسرقة أي شيء، خصوصاً إذا ما نظرنا في طبيعة الحملة ومتابعة الإعلام لها، وفضلاً عن ذلك فان القوات الأميركية الخاصة لا تقدم على مثل ذلك التصرف، وعند تلك النقطة أشار لي صدام بأن أعطيه قلمي والمفكرة التي أسجل فيها ما يدور في الجلسات، وقال «إذا سمحت»! واعطيته القلم والمفكرة وكتب وثيقة تسجل ما فقده من ممتلكاته، وقام بالتوقيع على ما سجله، واعاد لي المفكرة، واحتفظت بذلك في مفكرتي ليوم أو نحو ذلك، غير انني ادركت انه لا يمكننا الاحتفاظ بتلك الوثيقة، فقد أبلغنا من قبل المحامين بأن كل ما يقوله أو يكتبه يعد وثيقة، وأن كل الوثائق يجب أن يتم تسليمها في نهاية الأمر إلى هيئة الادعاء. والآن أشعر أنه ليتني احتفظت بتلك الوثيقة كذكرى للوقت الذي قضيناه معاً، غير أنني سلمتها إلى أحد افراد المجموعة التي أعمل ضمنها، وحفظناها في كيس بلاستيكي صغير أغلقناه ووضعناه في خزينة. تصرُّفات إضاعة الوقت وبالرغم من أن صدام غالباً ما كان يقول إنه يتطلع لحضور اجتماعاتنا، فإن ذلك لم يكن يعني أنه كان متعاوناً، فبالنسبة له كانت تلك وسيلة لشغل الوقت.وفي بعض الأحيان عندما كنا نحاول أن نجعله يوضح بعض الأمور لنا، كان صدام يسيء تفسير اسئلتنا موحياً بأننا جهلة. وفي أحيان اخرى كان يحاول استخدام عدة نقاط أفكار مختلفة في الردّ على سؤال واضح ومباشر، وتجده يقول أشياء مثل سأقول لكم وجهة نظري بعد قليل، ولكن أود أولاً أن احدثكم عن الموضوع «كذا» وبعدها يؤدي ذلك إلى إلقائه لمحاضرة طويلة حول موضوع يبدو غير ذي صلة بالقضية، ويعود صدام إلى السؤال ويربطه بالموضوع الذي كان يلقى حوله محاضرته. ويعد صدام من أكثر المتشككين ممن التقيت، فقد كان دوماً يرد على السؤال بسؤال، كما كان غالباً ما يطلب معرفة أسباب سؤالنا عن موضوع معين قبل أن يقدم إجابة عن السؤال، وقد نطرح عليه سؤالاً حول حادثة معينة خلال فترة رئاسته، وتجده يبدأ إجابته بالعودة إلى فترة حكم صلاح الدين، وبعد عدة ردود ملتوية كان بروس يوقفه ويقول له «صدام أعتقد أننا نود منك التركيز أكثر على السؤال مباشرة وعدم الخوض في كثير من التفاصيل التاريخية»، وعندها تبدو سمة الحيرة على وجه صدام، ويجيب «لكن ما أقوله يعد مهماً للغاية وعليكم الاستماع له بالكامل» وغالبا ما كنت اتساءل بعدها كم من الناس تمكن من الطلب من صدام الاختصار وعاش لكي يشهد نتيجة قوله. مرح وفكاهة غير أن صدام لا يخلو من الجانب المرح، فهو يتمتع بحسّ الفكاهة التي تظهر عندما يشعر بالميل إلى تفادي الإجابة عن الأسئلة، مستوحاة من خبرته في قيادة العراق، وحكى لنا عن فترة في التسعينات من القرن الماضي عندما ذهب إلى بحيرة الحبانية لحضور اجتماع، ولكنه لم يجلب معه مجموعة الحماية الأمنية الاضافية، بل احضر بدلاً من ذلك عددا قليلا من الحراس الشخصيين، وحال وصوله التف حوله حشد من الناس يودون تحيته ويهتفون باسمه، وازداد حجم الحشد مع انتشار خبر وصول صدام، ولم يتمكن الحراس الخاصين من السيطرة على الوضع. وفي إحدى المرات القى احد الحراس بصبي صغير على الارض اثناء اخذ صدام طريقه نحو سيارة كانت في انتظاره، ورأى صدام الصبي وهو يلتقط عصا وغمز له بعينه، ونادى صدام الحارس باسمه، وعندما التفت نحوه تلقى ضربة على جانب رأسه بالعصا، وكان ذلك رد الصبي الثأري على القائه في الارض، وفي تلك اللحظة انطلقت ضحكات من صدام، وشاركناه الضحك، وقلت له «هذه حكاية مضحكة للغاية». ورد علي قائلاً «لدي واحدة اخرى» وشرع في رواية حكايات اخرى مشابهة لتلك التي رواها لنا، والجانب الوحيد الذي تتشارك فيه جميع الحكايا هو انتهاؤها بشخص يتلقى عقاباً بدنيا على فعلته، وان صدام هو المحرض على ذلك العقاب. مواضيع حساسة وكانت انفعالات صدام تشتعل عندما نقترب من المواضيع الحساسة، وبصفة خاصة سلوكه الشخصي، وفي احد الأيام كنا نناقش العلاقات العراقية – السورية، وهو موضوع يثير انزعاجه وغضبه، وبدأ في حركة عصبية ينظف تحت اظافره، وهو سلوك نبهنا الى اننا اثرنا حفيظته. ففي احدى تلك المناسبات ضغطت عليه للاجابة عن سؤال. وحالما اتضحت له الوجهة التي كنت أقود خط الاسئلة نحوها بدا عليه العبوس، ورفع يده امامه وظل يعبث بأظافره واخراج الوسخ منها، وإذا ما اصررنا على الاستمرار في تلك الاسئلة يبدأ في تنظيف اسنانه. وعندما ينتقل الحديث إلى المجالات التي تجعله يشعر بعدم الارتياح، تجده يدعي باننا نحقق معه ونقوم باستجوابه، وان ذلك النقاش لم يعد يدور حول التاريخ، فعندما سألته عن التجارة فيما بين سوريا والعراق، انفجر صدام قائلاً «تجارة؟ من يهتم بشؤون التجارة هل تعتقد ان صدام حسين تاجر؟ هذا الأمر من حثالة التاريخ». وهنالك أمور صدام لا يود الحديث عنها البتة. وتشمل تلك أمنه الشخصي، وعلاقاته مع الزعماء العرب الآخرين، وعلاقاته مع من يعتبر بانهم موالون له والشؤون الاستخباراية، كما ابلغنا صدام ايضاً ان لديه صديقين في العالم، ولكنه لم يقل لنا من هما. ما زال رئيس دولة ولقد ظل صدام يتشبث بقوة بفكرة انه ما زال رأس الدولة، وكان يشير إلى نفسه بأنه الرئيس، ولهذا السبب لم نكن نخاطبه بعبارة السيد الرئيس أو السيد صدام، بل كنا ندعوه فقط باسمه الأول. وقد أبدى عدم الرضا في البداية إلا أنه سرعان ما اعتاد على ذلك. ففي أحد الأيام طلب من الحارس أن يحضر له كتاب أو مجلة يقرأها. واختار الحارس عدداً من الكتب العربية أعطاها له، وقرأ صدام تلك الكتب، وكان إحداها كتاباً يضم خطبا ألقاها، وفي اليوم التالي جلبه معه لغرفة التحقيق، وقال إنه يود أن يقرأ علينا مادة من الكتاب. وكان ذلك خطابا كان قد ألقاه في سبتمبر عام 1980. وقال لي «لقد قلت لي بالأمس إنني من بدأ الحرب على إيران، ولدي شيء أود أن أقوله لك». وشرع في قراءة الخطاب. وهو الخطاب الذي ألقاه لتبرير عملية غزو إيران. (يتبع) أسئلة هزته ما كان يجعل تلك الجلسات أكثر اثارة عندما تسنح لنا فرصة لطرح اسئلة على صدام حول امور لم يسأله عنها أي احد قبلنا، فتلك الاسئلة هزت صدام، وجعلته يواصل الحديث، وكان يود تقديم اجابات تسجل في وثائق التاريخ، وتبدو مقنعة، وفي بعض الاحيان كانت تبدو عليه الدهشة بوضوح من اسئلتنا، فعندما سألناه عن زوجتيه ساجدة، والمضيفة السابقة سميره شهبندر بدا عليه بوضوح شعور بعدم الارتياح عند الحديث عنهما. وكان يشعر بين الفينة والأخرى بأنه أفشى الكثير، ويحاول التراجع عما قاله. وكنا قد خصصنا وقتاً لبناء خطوط التواصل معه، ولكن كنا مقيدين لأننا لم نكن نعرف المدى الزمني الذي سوف نقضيه مع صدام، وهنالك العديد من الموضوعات التي يرغب صناع السياسات في واشنطن أن نقوم بتناولها. وفريق وكالة الاستخبارات الأميركية الذي ننتمي إليه يعرف الكثير جداً عن صدام والعراق، مقارنة بمحققي مكتب التحقيقات الفدرالي ممن تولوا الأمور بعدنا. ولكننا أتيح لنا وقت أقل بكثير منهم لاستجواب صدام ومدير الوكالة جورج تينيت وجماعته في الطابق السابع في مقر وكالة الاستخبارات الأميركية واشنطن لم يدركوا إننا قمنا بتحقيقات ناجحة. حرائق الآبار التي خلفها الغزو العراقي في الكويت (ارشيفية)
مشاركة :