منذ كان الشعر حضرت الأم بقوة في صوره وتعابيره وشكلت محور القصائد، وإذا بالكلمات التي تصفها وتتناول دورها في المجتمع تفيض شفافية وإحساساً، لدرجة أن معظم قصائد الشعراء حول الأم يبقى الأكثر تداولاً بين الأجيال، يفيء إليها القارئ في عيد الأم (21 مارس من كل سنة)، فيبث فيها نبضاً من مشاعر الحب والوفاء... منذ ما قبل الإسلام لغاية اليوم، ثمة استمرارية في نظم قصائد عن الأم، ولا يخلو ديوان شعر من التفاتة تقدير واحترام لها. وفيما يلي بعض محطات من قصائد الشعراء في الأم وعنها. رسم شعراء ما قبل الإسلام الأم مستلهمين من حياتها، فيما ركز شعراء عصر بني أمية والشعراء العباسيون على صفاتها والإشادة بدورها في الحياة الأسرية، واعتبرها شعراء العصر الفاطمي الفؤاد الحاني الذي يعتني بالأولاد ويحفظهم من كل مكروه. ولعل ما قاله المتنبي خير دليل على اهتمام الشعراء بالأم: «أَحِـنُّ إِلَى الكَـأْسِ التِي شَـرِبَتْ بِهَـا/ وأَهْـوَى لِمَثْـوَاهَا التُّـرَابَ وَمَا ضَـمَّا». كذلك قال عنها أبو العلاء المعرّي: العَيْـشُ مَاضٍ فَأَكْـرِمْ وَالِدَيْـكَ بِـهِ/ والأُمُّ أَوْلَـى بِـإِكْـرَامٍ وَإِحْـسَـانِ/ وَحَسْبُهَا الحَمْـلُ وَالإِرْضَـاعُ تُدْمِنُـهُ/ أَمْـرَانِ بِالفَضْـلِ نَـالاَ كُلَّ إِنْسَـانِ. أما شعراء المغرب وبلاد الأندلس فركزوا على دورها الكبير في بناء المجتمع من خلال تربية أبنائها على القيم والمثُل الأصيلة النابعة من التراث والدين الإسلامي الحنيف. كذلك تناول شعراء من العصر الأيوبي في أشعارهم الأم ودورها في المجتمع ومكانتها في نفوسهم، وتحدث عنها شعراء العصر العثماني في أشعارهم مبينين أهميتها في بناء جيل صالح. شعراء الحداثة لا يخلو ديوان للشعراء في العصر الحديث من قصيدة للأم، من بينهم: أبو القاسم الشابي، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، خليل مطران، علي الجارم، علي محمود طه المهندس، مصطفى الغلاييني، مصطفى صادق الرافعي، معروف الرصافي، ناصيف اليازجي، سعيد عقل، جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، نزار قباني، محمود درويش... يقول أحمد شوقي: «منَ الأمهات تبْنى الأمم». «حبُّ الأم إن لم يكن أقوى أنواع الحب/ فهو بغير نزاع أطهرها وأبعدها عن الأنانية». «لذة الأمومة معنى قدسي وسرٌّ خفي/ وحال كَمَناعم الخُلد ولذاته». «ليس اليتيمُ منِ انتَهى أبواهُ منْ/ هَمَّ الحياةِ وخَلَّفاهُ ذَليلا/ إنَّ اليتيمَ هو الذي َتلْقى لَهُ/ أُمّاً تَخلَّتْ أو أباً مَشغولاً». كذلك أشاد الشاعر حافظ إبراهيم بمنزلة الأم في المجتمع ومما قال: «الأمُ مدرسة إذا أعدَدْتَها/ أعدَدْتَ شعباً طيبَ الأعراقِ. الأمُ روضٌ إن تعهده الحيا/ بالريِّ أورَق أيمّا إيرَاقِ. الأم أستاذ الأساتذة الأُلى/ شغَلَت مآثرهم مَدى الآفاقِ». وللأديب والفيلسوف اللبناني جبران خليل جبران أقوال في الأم أيضاً: «أنا مدين بكل ما أنا فيه إلى المرأة منذ كنت طفلاً حتى الساعة، فالمرأة هي التي تفتح النوافذ في بصري والأبواب في روحي، ولولا المرأة الأم والمرأة الشقيقة لبقيت هاجعاً مع هؤلاء النائمين الذي يشوشون سكينة العالم بغطيطهم». أما عباس محمود العقاد فيقول: «المرأة الأم هي بقيَّة القديسين في زمن بطُلتْ فيه القداسة». ويقول خليل مطران: «إن لم تكن الأم... فلا أُمة... فإنما بالأمهات الأمم». «الأمُ شمس والثريا لكم/ أخت وما منكم سوى بدر». وأحنُو عليها حنية الأمِ مُشفِقاً/ وهيهات تحميها من البينِ أضلعي». كذلك يقول الشاعر معروف الرصافي: «إن خدمنا فلا تريد جزاء/ ومِن الأمِ هل يُرادُ جزاء». «فحضن الأمِ مدرسة تسّامت/ بتربية البنين والبناتِ». يقول ميخائيل نعيمة: «لهْف قلبي على الوالدات فَهُنَّ يَعِشْنَ أعماراً عِدَّةً في عمرٍ واحد». في ديوانه «الرسم بالكلمات» الذي خطه في إسبانيا، وهو عبارة عن خمس رسائل أرسلها إلى والدته في دمشق يقول نزار قباني في إحداها: «صباحُ الخيرِ يا حلوة.../ صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوة/ مضى عامانِ يا أمّي/ على الولدِ الذي أبحر/ برحلتهِ الخرافيّة/ وخبّأَ في حقائبهِ/ صباحَ بلادهِ الأخضر/ وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر/ وخبّأ في ملابسهِ/ طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر/ وليلكةً دمشقية.. (...) أنا وحدي.../دخانُ سجائري يضجر/ ومنّي مقعدي يضجر/ وأحزاني عصافيرٌ.../ تفتّشُ بعدُ عن بيدر/ عرفتُ نساءَ أوروبا.../ عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ/ عرفتُ حضارةَ التعبِ.../ وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر/ ولم أعثر.../ على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر/ وتحملُ في حقيبتها.../ إليَّ عرائسَ السكّر/ وتكسوني إذا أعرى/ وتنشُلني إذا أعثَر/ أيا أمي.../ أيا أمي... درويش وعقل كتب محمود درويش في قصيدته الشهيرة: «أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي ولمسة أمي.../ وتكبر في الطفولة يوماً على صدر يوم/ وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي». أما الشاعر سعيد عقل فألهمت قصيدته «أمي يا ملاكي» الأخوين رحباني فلحناها وغنتها فيروز ومن أبياتها: أُمِّيَ... يا مَلاكي يا حُبِّي الباقي إلى الأَبَد/ وَلَم تَزَلْ يَداكِ أُرْجوحَتي وَلَمْ أَزَلْ وَلَدْ/ يَرْنو إِلَيَّ َشهْرُ وَيَنْطَوي رَبيعْ/ أُمّي، وَأنْتِ زَهْرُ في عِطْرِهِ أَضيعْ/ وإذْ أقولُ: أُمّي أُفتَنُ بي، أطْيَبْ/ يَرِفُّ فوقَ هَمي جَناحُ عَنْدَليبْ/ أُمّيَ، نَبْضُ قَلْبي! نِدايَ إِنْ وَجِعْتْ/ وَقَبْلَتي وَحُبِّي أُمِّيَ إن وَلِعْـتْ/ عَيْناكِ! ما عيناكِ؟ أجْمَلُ مـا كَوْكَبَ في الجَلَدْ!/ أُمّـيَ، يا مَلاكي يا حُبّيَ الْباقي إلى الأبدْ.
مشاركة :