«سنار» السودانية تضيء مشعلها «عاصمة للثقافة الإسلامية»

  • 3/21/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كأن شاعرها الراحل محمد عبد الحي حين كتب قصيدته «العودة إلى سنار» قبل سنين كثيرة كان يستبصر أنها «سُرّة المعرفة والثقافة»، وأنهم مهما تجاهلوها فهم حتماً سيعودون لإحياء سيرتها الوضيئة، وكأنه كان يتنبأ بأن المدينة الخصيبة التي جمعت السودان ذات يوم، سيعاد لها الاعتبار بعد تجاهل طويل. ومصداقاً لنبوءة «العودة إلى سنار»، أعلن في الخرطوم أمس عن «تدشين» مدينة سنار السودانية (زهاء 300 كيلومترا جنوب الخرطوم) عاصمة للثقافة الإسلامية في الرابع والعشرين من الشهر الحالي. وأعلن أمين الأمانة العامة لـ«سنار عاصمة الثقافة الإسلامية 2017» أحمد عبد الغني حمدون، أمس، أن المهرجان الذي يتوقع أن تشارك وفود إسلامية من 7 دول، إضافة للمدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إسيسكو) عبد العزيز بن عثمان التويجري، وإمام الحرم المدني، سيدشن رسمياً في الرابع والعشرين من الشهر الحالي. ووفقا لحمدون، فإن عام الثقافة الإسلامية سيشمل ما سماه «الفضاء السناري» الممتد بمساحة السلطنة الإسلامية السنارية من شمال الخرطوم حتى جنوب ولاية سنار ومركزه مدينة «سنار التاريخية»، وإن الفعاليات بدأت أول من أمس في منطقة «قري» شمال الخرطوم، وإن موكباً سينطلق من هناك وآخر من النيل الأزرق ليلتقيا في سنار. واختيرت سنار عاصمة للثقافة الإسلامية وفقاً لمقررات المؤتمر الإسلامي السادس لوزراء الثقافة المنعقد في باكو بأذربيجان في أكتوبر (تشرين الأول) 2009، والذي اعتمد لائحة عواصم الثقافة الإسلامية للفترة من 2015 – 2024، وللاحتفاء بسنار عاصمة للثقافة الإسلامية 2017. ويعد الاختيار إضافة حقيقية للرصيد التاريخي والثقافي للسودان، وامتدادا طبيعيا للدور الذي يلعبه في الحفاظ على الثقافة الإسلامية على مدى التاريخ، الذي مثلت فيه مملكة سنار الإسلامية علامة مضيئة في رفع راية الإسلام والحفاظ على الموروث الإسلامي. ويبدأ المهرجان في 24 مارس (آذار) الحالي، ويستمر حتى 22 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وهو امتداد لفكرة العواصم الثقافية التي سنتها المنظمة عام 2005 لإحياء دور تلك المدن الثقافية. وتأسست سلطنة سنار عام 1504 بتحالف بين قبائل الفونج في جنوب وشرق النيل الأزرق، ويقودهم عمارة دنقس، وقبائل العبدلاب بقيادة عبد الله جماع، وأسسوا مملكة إسلامية عرفت بعدة أسماء؛ منها «مملكة الفُونج»، و«السلطنة الزرقاء»، و«الدولة السنارية». ويقول وزير الإعلام أحمد بلال عنها: «الفضاء السناري كان تعويضاً لما فقده المسلمون في الأندلس، وتحديا لاستعادة التاريخ العظيم والاعتزاز به». وسلطنة سنار أول مملكة عربية إسلامية قامت في بلاد السودان بعد انتشار الإسلام واللغة العربية فيه، واهتم ملوكها بالعلم وأقاموا رواق السنارية في الأزهر الشريف لاستيعاب طلاب المملكة، وشجعوا هجرة علماء الدين الإسلامي إلى السودان للدعوة ولنشر العلم. وانتشرت في ربوع سنار خلاوي (كتاتيب) تحفيظ القرآن ودراسة الفقه وعلوم اللغة العربية والحساب. وبدأ رئيس الأمانة العامة البروفسور يوسف فضلاً متباهياً بمدينته، وقال: «سنار كانت الحاضنة الأولى للهوية السودانية، وهو الشيء الذي دفع وزير الثقافة وقتها محمد أبو زيد لترشيحها عاصمة للثقافة الإسلامية»، وأضاف: «لسنار ثلاثة أبعاد؛ بُعد أفريقي، وبعد عربي، وبعد إسلامي، تكاملت لتنتج دولة سنار التي ورثت الحضارات القديمة وأدارت التنوع السوداني الثقافي والعرقي والإثني والديني»، وأضاف: «سنار كانت بداية تحول في تاريخ التطور السوداني». ووفقا للبروفسور يوسف، فإن العام يستهدف عقد 12 مؤتمرا، أنجز منها 5 حتى الآن، وطباعة ونشر 350 عنوانا وكتابا، وإتاحة منح دراسية لدراسة سنار وفضائها الحضاري. من جهته، فإن والي سنار الضو الماحي بدأ مثل «أم العروس» ليلة عرس ابنتها، وأعلن للناس بقوله: «جاهزون لاستقبال الحدث»، وتعهد بإعادة تقديم نموذج دولة سنار التاريخية، أما وزير الثقافة بولاية الخرطوم يوسف الدقير، فقد أعلن للناس أن ولايته تمثل الركن الشمالي من «الفضاء السناري» وأنها ستشارك بفعالية في المناسبة. وقبيل إشعال مشعل الثقافة في الفضاء السناري، قال وزير الثقافة الاتحادي الطيب حسن بدوي، إن مهرجان سنار؛ بوتقة الثقافة، بدأت مرحلته الأولى، وتنطلق المرحلة الثانية بعد الافتتاح، والمرحلة الثالثة تستمر من الافتتاح حتى نوفمبر المقبل، وإن وزراء الثقافة في الدول الإسلامية سيجتمعون في مؤتمر اليونيسكو العاشر بالخرطوم في نوفمبر المقبل، ثم سيشاركون في ختام فعاليات «سنار عاصمة الثقافة الإسلامية». وجاء اختيار مصطلح «الفضاء السناري»، كأنه استلهام لقصيدة شاعر سنار وابنها النبوءة: «الليلة يستقبلني أهلي... أهدوني مسبحة من أسنان الموتى... إبريقاً جمجمة... مصلاة من جلد الجاموس... رمزاً يلمع بين النخلة والأبنوس... لغة تطلع مثل الرمح من جسد الأرض... وعبر سماء الجرح».

مشاركة :