الشارقة: محمد ولد محمد سالمشهدت أيام الشارقة المسرحية مساء أمس الأول على مسرح معهد الشارقة للفنون، عرض «في انتظار غودو» للكاتب صموئيل بيكيت، من إخراج عبدالله مسعود وقدمتها فرقة مسرح دبا الفجيرة، وهي من العروض خارج المسابقة الرسمية.معروف أن هذه المسرحية التي كتبها بيكيت في عام 1948 تعتبر بداية مسرح العبث ونموذجه الأبرز، ويرى أصحاب فكرة العبث أن الحياة عبث لا طائل من ورائه، وأن الإنسان جيء به إلى هذا العالم، لا يدري من أين ولا لماذا، ولا إلى أين سيذهب، ولن يستطيع مهما فعل أن يقدم شيئاً مفيداً، وسوف ينتهي هكذا مريضاً تعسياً كسيحاً، فاقداً للإرادة؟، هذه هي فكرة العبث التي بنى عليها مذهب العبثية في الفن والأدب، فكرة العدمية والإنسان الفرد الذي يواجه وحده مصيره المأساوي، الذي لن يستطيع أن يغيّره، استسلاماً لفكرة الفردانية القاسية، التي ترى أن مفاهيم الجماعة وهم، والأخلاق وهم كذلك.طرحت مسرحية «في انتظار غودو» تلك الأفكار من خلال أسئلتها الشهيرة التي ظلّت معلقة دون جواب: من هو غودو؟ وهل سيصل؟ ومتى سيصل؟ وماذا سيفعل؟ وما الفائدة من وراء ما سيفعله؟ إن كلاً من استراغون وفلاديمير اللذين ينتظران غودو لا يملكان أجوبة لتلك الأسئلة، لكنهما مضطران للانتظار، ولا يعرفان أيضاً لماذا هما مضطران لذلك.تدور مسرحية بيكيت على قارعة طريق مقفر، ليس فيه سوى شجرة جرداء، يجلس تحتها كل من استراغون وفلاديمير.. ينتظران شخصية ثالثة هي غودو، ويزجيان الوقت بالثرثرة حول حياتهما التعيسة، فاستراغون يتعرض دائماً تحت جنح الليل لاعتداء من مجهولين يضربونه، وتؤلمه قدمه، وتتركز اهتماماته على طعامه وعلى نومه وعلى آلام قدمه، أما فلاديمير، فهو رجل مفكر وعقله مشغول بالمناقشات الفكرية للأمور، والتأويلات العقلية لظواهر الأشياء، وهما مرتبطان ببعضهما ارتباطاً جدلياً منذ زمنٍ طويل، وكل منهما يفكر بالانفصال عن الآخر، لكنهما لا يستطيعان، ويفكران أن غودو الذي ينتظرانه يحمل خلاصهما، لديهما وعد جازم منه بأنه سوف يأتي، لكنّه لم يحدّد الوقت.لكنّ غودو لا يأتي، ويطول الانتظار، ويواجه الرجلان مشكلة كيف يمضيان وقتهما، ويعيشان حياتهما في انتظاره، وفي انتظارهما يأتي رجل متسلط يسوق عبداً له، وقد وضع في عنقه حبلاً، ويعلن أن الأرض ملك له، وتظهر المسرحية اعتماد الرجل المتسلط على عبده في حمل متاع له، وفي التفكير بدلاً منه، ما يعني أن شخصية هذا السيد هشة ولا تستقيم بذاتها.في المشهد الثاني يتكرر نفس الروتين ونفس الحياة التي تعيشها الشخصيتان وهما تنتظران غودو، وفي النهاية يأتيهما غلام يحمل رسالة من غودو تبلغهما أنه لن يأتي في ذلك اليوم، لكنه يؤكد لهم أنه سيأتي غداً، وهو جادٌ في ذلك، ولكنه في اليوم الثاني لا يأتي كذلك، ويتردد الغلام عليهما بنفس الرسالة من يوم لآخر، حتى تنتهي المسرحية دون عودته.اختار عرض عبدالله مسعود أن يغير الكثير من أحداث المسرحية، فحذف مشهدي حضور العبد والسيد في الفصلين الأول والثاني، ومشهد الغلام في الفصل الأخير، كما حذف بعض الحوارات والأحداث المتعلقة بالقبعة والحذاء، ما جعل دورهما هامشياً، لا دلالة له، بينما كانا مركزيين في نص بيكيت، وشكل بؤرة لبناء التشكيل الرمزي فيه، كما ألغى مشهد محاولة الانتحار في نهاية العرض، وقد أفقدت تلك التغييرات العرض الكثير من عمقه، ودلالته العبثية، في حين أن المخرج لم يضف شيئاً يوحي ببناء رؤية جديدة، وهو ما يطرح التساؤل حول اختياره لهذه المسرحية العبثية في هذا الظرف، وماذا أراد أن يقوله من خلالها؟يحسب للعرض ذلك التناغم الكبير بين الممثليْن اللذين استطاعا رغم ثقل المشاهد العبثية، أن يبثا في العرض لحظات من الحيوية كسرت في بعض الأحيان تلك الرتابة، وذلك عن طريق وضوح الصوت وحركة الجسد وإيماءاته، وكانت لغتهما في معظم الوقت سليمة، كما أن المخرج وظّف الإضاءة بشكل جيد في التعبير عن ذلك الجو المعتم الغامض الذي توجد فيه الشخصيتان.في الندوة التطبيقية، أجاب عبدالله مسعود عن الأسئلة حول التغييرات التي أجراها في العرض، بأنه حذف تلك الجوانب لقناعته بعدم ملاءمتها لسياق الحياة الراهن، مثل مشهد السيد والعبد، الذي قال «إنه سبق وأن تعرض له في عرض آخر»، كما اعتبر أن بعض التغييرات اقتضتها رؤيته الجمالية، وتقنية المعالجة، التي جعلته يفضل زاوية نظر أخرى للتعامل مع تلك العناصر.
مشاركة :