سلطان حميد الجسميبدأ التاريخ يكتب الفصول الأخيرة من مسلسلات «داعش» المخزية، التي روعت العالم بالجرائم الوحشية اللاأخلاقية، وأفكار الكراهية السوداء التي كانت تقذفها براكين أحقادهم العمياء، وهذا الاندحار «الداعشي» يتزامن مع متغيرات إقليمية ودولية تكتب فصول النهاية.بدا واضحاً منذ البداية أن هذا التنظيم الإرهابي صنع لغاية ما، فقد خرج من قلب العدم، وأصبح في فترة وجيزة قوة ظلامية كبيرة في العراق وسوريا، ومناطق أخرى، تمتلك إمكانات استراتيجية اقتصادية وعسكرية وإعلامية، ما يضع ألف علامة استفهام حول هذا التنظيم، ومن يقف وراءه ويفتح له الأبواب المغلقة. من الواضح أن الإرهابيين أطلقت أياديهم في المنطقة عمداً لخدمة مشاريع مشبوهة، وأخرجوا من قعر السجون، وفتحت لهم منافذ التمويل، وسهلت لهم العمليات على الأرض، ولم تكن هناك جدية في القضاء عليهم وتطهير الأرض منهم. مارس هذا التنظيم منذ بدايات إنشائه عمليات القتل الجنونية، واتجهت آلته الإعلامية بشكل خاص ومكثف، لتشكيل رأي عام مشوه عن الإسلام، ما أدى إلى ارتفاع موجات الكراهية ضد الإسلام والمسلمين، وصعود الأحزاب والتيارات اليمينية المتطرفة في الغرب، وبما كان يؤذن بتغيير المشهد السياسي في الساحة الأوروبية، وتغيير خريطة المنطقة لمصلحة مشاريع التقسيم.ومن أبرز العوامل التي ساهمت في تغذية الإرهاب وصعود «داعش» في المنطقة المشروع الإيراني الإرهابي، الذي كان هدفه الاستراتيجي إغراق المنطقة في مستنقع كبير من الفوضى، لخلق بيئة غير مستقرة تتيح لإيران بسط سيطرتها، وتكوين الميليشيات المسلحة الخاضعة لها، مستفيدة من التجربة في لبنان، ففي ثمانينات القرن الماضي استغلت إيران الحرب الأهلية التي كانت تدور في لبنان، واستطاعت في ظل هذه الحرب الطائفية في لبنان إنشاء ميليشيات حزب الله الموالية لها، والتاريخ يعيد نفسه، وتكرر إيران التجربة نفسها في العراق، وتستخدم الورقة نفسها، وهي ورقة الطائفية، ولم يكن لهذا المشروع الإيراني أن يكتمل من دون وجود «داعش» في الساحة العراقية، وهو ما كان، وتمكنت إيران في ظل هذه المعطيات من تكوين بذور التجربة نفسها.أحد الأهداف الاستراتيجية للمشروع الإيراني هو ضرب غرمائه في مقتل، وهم المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، فكان الإعلام الإيراني يعمل بصورة مكثفة على استثمار وجود «داعش» لإظهار الغرماء كإرهابيين، عن طريق خدعة حقيرة، وهي إقناع الدوائر السياسية والشعبية في الغرب وأمريكا بأن «داعش» بضاعة فكرية خليجية، ومحاولة إدراج هذه الأكذوبة في الحرب ضد الإرهاب، وهي لعبة إعلامية قذرة ينطبق عليها المثل العربي: «رمتني بدائها وانسلت».المشروع الإيراني اليوم يتجه نحو الانهيار والإفلاس، لأنه مشروع إرهابي كاذب بامتياز، وبدأ الوعي العالمي يزداد بخطورة هذا المشروع على مسار السلام الإقليمي والعالمي، وبدأ يفقد دعمه الأمريكي في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة. الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يبدي موقفاً صلباً ضد الإرهاب الإيراني و»الداعشي»، اللذين يمثلان الخطر الأكبر على عملية السلام في الشرق الأوسط. والإدارة الأمريكية الجديدة يبدو أنها تحاول أن تلملم ما أفسدته في المنطقة، ولها اهتمامات أخرى، في ظل تصاعد تهديدات جديدة ضد أمريكا، وعلى رأسها تهديدات كوريا الشمالية. الجزء الأخير من فصول القضاء على «داعش» في العراق وإنهائه لا يأتي إلا بإرادة الشعب العراقي، الذي يجب أن يكون متحداً، منصهراً بجميع مكوناته، ومذاهبه، ودياناته، وأعراقه في قالب واحد، هو قالب المواطنة، التي تجمع جميع الأطياف على مائدة التساوي في الحقوق والواجبات، لبناء عراق متحد من دون تفريق ولا تمييز. الشعب العراقي اليوم لا تهمه المعارك المذهبية، بل يهمه العيش بكرامة وعدالة، وأصبحت الشعارات التي تغذى من إيران لتغذية العقول بالمذهبية والطائفية كأنها موضة قديمة، لا يستجيب لها الشعب العراقي، الذي عانى كثيراً هذه الشعارات المسمومة، وأصبح لزاماً عليه الآن أن يستجيب لنداء التسامح والتصالح والوحدة الوطنية، ويتجه نحو تطهير بلاده من التنظيمات الإرهابية، ليعود للعراق مجده السليب، ويرجع إلى الحاضنة العربية معززاً مكرماً. سوريا اليوم هي المكان الخصب الأرحب للتنظيمات الإرهابية، بسبب الصراعات الدامية المستمرة بين أطراف النزاع التي مزقت هذا البلد، ودمرته، وقتلت أهله، وشردتهم، والإرهاب وجد في سوريا بيئة حاضنة له من أطراف مستفيدة، فالنظام وفر البيئة الموظفة للإرهاب، فعمل على توظيف الإرهاب، وإطلاق أيدي الإرهابيين في بعض المناطق لتحقيق مصالحه، وإطالة أمد بقائه في السلطة، وبعض المتضررين من النظام تعاطفوا مع هذه التنظيمات الإرهابية وألقوا بأنفسهم في أحضانها للتخلص من ظلم النظام وقهره.وضع النهاية الأخيرة ل«داعش» يتطلب التعجيل بتسوية الأزمة السورية تسوية شاملة عادلة، وقطع مخالب إيران السامة في المنطقة. sultan.aljasmi@hotmail.com
مشاركة :