الذين يصرون على أن كل شيء يلحقه التغير محقون ولكن ليس تماماً، بمعنى أن هناك أموراً لا تتغير في الحياة في جوهرها، في صميم معناها وتأثيراتها والدرجة التي تمس القلب والروح بها، هناك أشياء كثيرة في الحياة تتغير ولكنها لا تنقلب رأساً على عقب، لا يصير الأبيض أسود، ولا ينكر الإنسان الطبيعي قيم الجمال والأخلاق النبيلة خاصة إذا تربى عليها، وإذا عاش في مجتمعات توليها اهتماماً حقيقياً. لقد فعلوا كل ما في وسعهم لخلط الأمور، لتظهر التفاهة على أنها قيمة مهمة من إفرازات هذا العصر، وليكون الإسفاف موازياً للفن في كل مجالاته، قدموا لنا غناء ماجناً مخلاً بأبسط قيم الأخلاق والذوق، ومع ذلك أصروا على أنه من إفرازات عصر الانفتاح والتطور، قدموا لنا سينما قبيحة وأفلاماً ماجنة وروايات ساقطة وفسحوا لها المجال تحت شعار حرية الإبداع، مع أن الإبداع لا علاقة له بالانحطاط أبداً، ومع ذلك يثبت الإنسان السوي كل يوم أنه سوي وأنه لم «يتحيون» بعد! لنتأمل عدد المحطات التلفزيونية العربية والأجنبية التي لاتزال تنهل من معين فن ما يسمى بأيام زمان أو فن الزمن الجميل، أو الساذج من وجهة نظر البعض، الفن الذي لا يمتلئ بالأكشن ومخلوقات الفضاء التي تغزونا والمخلوقات الغريبة التي يسمونها بالمتحولين، فالسينما العالمية تروج لبشر متحولين عقلياً وجسدياً وجنسياً منذ زمن، وهي تزرعهم في أذهاننا بكم هائل من الإنتاج الفني الذي تمنحه الجوائز وتعلي من شأنه ليتقبل الجميع الفكرة ومن ثم لكل حادث حديث! نهار الأمس، والذي صادف عيد الأم، ما هي الأغنية أو الأغنيات التي رددها الجميع واستعادوا بها دفء وحنان هذه المناسبة في كل بيت مضيء بنور الأم في الوطن العربي؟ إنها أغنيات «ست الحبايب» لفايزة أحمد و«ماما يا حلوة» لشادية و«صباح الخير يا مولاتي» لسعاد حسني.. هذه النوعية الراقية التي تحتفي بالعلاقة النبيلة بالأم والاحتفاء والحنان والبر بأجمل الكلمات وأحن الألحان، لم نسمع أحداً يردد شيئاً سقيماً مثل «بوس الواوا مثلاً»! يرتقي الإنسان إلى شرط إنسانيته عالياً حين يتعلق الأمر بذوقه وذائقته، وأما الزبد فيذهب جفاء، هذا هو قانون الحضارة منذ بدأت رحلة الإنسان على الأرض، وحتى وسط كل فوضى القيم التي نراها! وكما في الفن، ففي الأدب والكتب والثياب والموسيقى والعلاقات الإنسانية وفن المعمار وتخطيط المدن والإعلام والإعلانات الخ، وفي كل ذلك يعود الإنسان في وقت الجد كائناً محباً لكل ما هو جميل وعابق بالذوق ودافع للخير والبهجة، لأن القبح لا يمكنه أن يدفع لذلك أو يستدعيه، لأنه وببساطه فانٍ وفاقد الشيء لا يعطيه.
مشاركة :