بيروت: بولا أسطيح يبدو أن الخرق الداخلي اللبناني الذي تحقق مع تشكيل حكومة تمام سلام في فبراير (شباط) الماضي، بعد أكثر من عشرة أشهر من مخاض مرير، وما تلاه أخيرا من خطة أمنية نجحت إلى حد ما في إعادة الاستقرار إلى البلاد، انسحب على العلاقة بين تيار المستقبل وحزب الله، التي كانت مرت بأسوأ مراحلها في السنوات الثلاث الماضية بالتزامن مع اندلاع الأزمة في سوريا وإعلان الحزب قتاله هناك. وفي هذا الإطار، كشفت مصادر مقربة من الحزب عن «اتصالات مباشرة بين الطرفين انطلقت قبل نحو 12 يوما»، لافتة إلى «حوار وتواصل جدي قد يفضيان إلى نوع من التفاهمات». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب متفائل بالمستجدات على صعيد العلاقة مع تيار المستقبل، والأجواء الحالية لا بأس بها». وأشارت إلى وجود تنسيق أمني بين الطرفين، بدا واضحا من خلال مشاركة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا في الاجتماع الأمني، الذي ضم قادة الأجهزة الأمنية برئاسة وزير الداخلية نهاد المشنوق، المحسوب على تيار المستقبل، لبحث وضع بلدة الطفيل الحدودية قبل نحو عشرة أيام. وأثارت مشاركة صفا في ذلك الاجتماع حملة من ردود الفعل الشاجبة من بعض قوى 14 آذار، وناشطين قالوا إن المشنوق أعطى بذلك «شرعية لحزب الله وسلاحه وقتاله في سوريا». وبرر وزير الداخلية في حينها مشاركة حزب الله بالاجتماع الأمني بوصف الحزب «جزءا من الاشتباك داخل سوريا، وهو موجود عسكريا داخل الأراضي السورية، وفي تلك المناطق، وبالتالي لا يمكن أن نضع خطة بهذا الحجم من دون التنسيق معه». غير أن تيار المستقبل لا يبدي حماسة كبيرة باتجاه انفتاحه المستجد على حزب الله، خاصة أنه كان يرفض مشاركة الحزب في الحكومة الحالية، مشترطا انسحابه أولا من سوريا. وفي هذا السياق، أكّد القيادي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش أن «الخلاف على المسائل المركزية لا يزال قائما مع حزب الله، وخصوصا لجهة قتاله في سوريا، وحول منطق مشاركته في الدولة وإصراره على أنه مقاومة، مما حوله إلى مجموعة عصابات مسلحة». وأوضح علوش لـ«الشرق الأوسط» أن الحوار العلني القائم حاليا هو بين حزب الله ومؤسسات الدولة وعلى مسائل أمنية محددة، وهو ما يفسّر مشاركة صفا بالاجتماع الأمني الخاص ببلدة الطفيل. وأضاف: «الحوار مع الحزب، إن حدث، فيجري بطريقة غير مباشرة، وليس على مستويات كبيرة، ومحصور بتأمين الاستقرار في الداخل اللبناني». وأشار إلى أن أي حوار يحصل مع الحزب «يسعى باتجاه تفاهمات لانضمامه لمسار الدولة، والخروج من الصراعات الدولية، والكفّ عن السماح باستخدام لبنان كورقة بأيدي دول إقليمية». وكان وزير الصحة وائل أبو فاعور، المحسوب على كتلة جبهة النضال الوطني، بزعامة وليد جنبلاط، أعلن بعيد تشكيل الحكومة أن جنبلاط تابع اتصالاته السياسية، بعد إعلان الحكومة بشكل خاص مع رئيس كتلة المستقبل النيابية الرئيس الأسبق فؤاد السنيورة، ومع قيادة حزب الله، وقال إن الطرفين «أكدا إيجابيتهما واستعدادهما لفتح صفحة جديدة في العلاقات بينهما». وعدّ الخبير الاستراتيجي، المقرب من حزب الله، أمين حطيط، أن العلاقة القائمة حاليا بين الحزب والمستقبل «علاقة مساكنة» لتحقيق مصالح الطرفين، رافضا الحديث عن تقارب بينهما «باعتبار أنّه في أسوأ المراحل التي مرت بها علاقة حزب الله بتيار المستقبل، فهي لم تنقطع لكن مستواها كان ينخفض ويتباعد بالأزمنة». وقال حطيط لـ«الشرق الأوسط»: «حزب الله وتيار المستقبل يسعيان لمساكنة تمنع الاحتكاك، وتحفظ لكل طرف شخصيته، وتؤدي للقاء بحدود المصالح المتبادلة، من خلال نسج تفاهمات الضرورة والمصلحة والحدود الممكنة». وتوقع أن لا تقتصر التفاهمات بين الطرفين على الصعيد الأمني، بل أن تنسحب إلى ملفات سياسية، خاصة أنهما أمام استحقاق رئاسي، «ولن يكون هناك رئيس للبلاد في حال لم يتفقا عليه». وأضاف: «لم تتبلور بعد أي آلية عمل بما يخص هذا الاستحقاق، لكن لا شك أن ملامحها ستتضح في الأيام المقبلة»، مشددا على أن هناك ضرورة للتوصل لتفاهمات قريبة بينهما لتجنيب سدة الرئاسة الأولى الفراغ.
مشاركة :