إعداد: عبير حسين نستدعي ذاكرة اليوم من بين المخطوطات النفيسة التي تكدست في الطابق الأرضي بسراي الأمير مصطفى فاضل، شقيق الخديوي إسماعيل بدرب الجماميز بالقاهرة لتكون اللبنة الأولى «لدار الكتب المصرية» التي أنشئت في مثل هذا اليوم من العام 1870، بعد إصدار علي باشا مبارك ناظر المعارف في عصر الخديوي إسماعيل قراراً بتأسيس «الكتب خانة» من أجل تجميع المخطوطات النفيسة المكدسة بقصور السلاطين والأمراء والعلماء والمؤلفين وحفظها في مكان واحد بدلاً من تفرقها وتعرضها للضياع والتلف.ومع ازدياد محتويات الدار وضيق المكان بها، نقلت عام 1903 إلى مبنى جديد بميدان باب الخلق أنشئ خصيصاً لدار الكتب ودار الآثار العربية. وفي العام 1961 بدأ إنشاء مبنى جديد للدار على كورنيش النيل، وبدأ الانتقال إليه بالعام 1973، وافتتح 1977 لتصبح أكبر مكتبة في مصر، تليها مكتبة الأزهر، ثم مكتبة الإسكندرية الجديدة.تضم دار الكتب ما يقرب من 57 ألف مخطوطة ما بين البرديات والمخطوطات الأثرية التي تعد من أنفس المجموعات وهي مرقمة ومفهرسة وتغطي طيفاً واسعاً من الموضوعات، وتتميز بتنوع قضاياها وخطوطها المنسوبة ومخطوطاتها المؤرخة. كما تضم مجموعة نفيسة من أوراق البردي من بينها مجموعة عثر عليها في «كوم أشقاو» بصعيد مصر تبلغ مجموعها ثلاثة آلاف بردية تتعلق بعقود زواج وبيع وإيجار واستبدال وكشوف وسجلات وحسابات خاصة بالضرائب أو تقسيم مواريث أو دفع صداق وغيرها، لم ينشر منها حتى اليوم إلاّ 444 بردية فقط. وهناك أيضاً مجموعات من مخطوطات البردي من مختلف أنحاء مصر بعضها يعود للقرن السابع الميلادي وما قبله. وتشمل مجموعاتها تشكيلة كبيرة من مخطوطات القرآن الكريم المكتوبة على الورق والجلد وبعضها في الخط الكوفي القديم غير المنقط وبعضها لخطاطين مشهورين. وهي منجم معلومات عن الحياة الاجتماعية والحضارية في مصر في بداية الإسلام.كما تحتوي الدار على مجموعة هائلة من الوثائق الرسمية المتمثلة في حجج الوقف ووثائق الوزارات المختلفة وسجلات المحاكم وغيرها مما يعنى به الباحثون في شتى المباحث الأثرية والتاريخية. وتمتلك الدار مجموعة نادرة من النقود العربية يعود أقدمها إلى عام 693.وتجدر الإشارة إلى أن الفراعنة عرفوا شكلاً بدائياً من أشكال المكتبات حيث يعتقد بناء على المجموعات الصغيرة من أوراق البردي التي عثر عليها بالمدافن، أن المصريين القدماء جمعوا النصوص كجزء من مقتنيات الصفوة. وضمت بعض النقوش والمخطوطات إشارات متعددة لمجموعات من الكتب كانت تحفظ فيما يسمي «بيت الكتب». والدليل الأكبر على ذلك كانت نقوش بإحدى صالات معبد الرامسيوم وأخرى بإحدى الغرف بمعبد إدفو تشير إلى سجل مفهرس للكتب، ولكن بحكم حجمها وموقعها، فإنها على الأرجح كانت تستخدم في حفظ كتب الطقوس اليومية بالمعبد.كما عرفت مصر في عصر البطالمة «مكتبة الإسكندرية الكبرى» التي شكلت منارة حضارية إذ ضمت في أوج ازدهارها نحو 700 ألف لفافة، أو ما يعادل نحو 100 ألف إلى 125 ألفاً من الكتب المطبوعة المجلدة.وعرفت مصر القبطية مئات المكتبات في الأديرة. وازدهرت المكتبات كثيراً في مصر الإسلامية حيث شجع الإسلام على التعلم وارتقاء المعرفة. وإلى جانب المكتبات التي ضمتها قصور الأمراء والنبلاء ضمت المساجد والمدارس في القاهرة مكتبات كانت جميعها متاحة للدارسين. وكان لكل مكتبة سجل مفهرس لمجموعة كتبها، وكان بها موظفون يؤدون الأعمال التي يقوم بها أمناء المكتبات اليوم.
مشاركة :