التخييم في الإمارات حنين إلى هدوء البادية

  • 3/23/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الإقبال على الأماكن الصحراوية لتنطلق الرحلات البرية، وينصب الزوار والسياح الخيام ويطيب المقام في مشهد يختزل الانتماء إلى المكان ويبرز التمسك بالتقاليد والعادات البدوية الأصيلة المستمدة من جذور الماضي وموروث الآباء والأجداد. تطل ناطحات السحاب الشاهقة من بعيد في الأفق الممتد الذي يقطع صمته هدير محركات سيارات الدفع الرباعي منطلقة إلى قمة التلال الرملية والتي تسمى في اللهجة المحلية “العراقيب”.الخروج إلى البر يعتبر عادة سنوية يمارسها المواطنون الإماراتيون، حيث اشتهرت مناطق الحمرانية والساعدي والمزرع وعوافي وأم الخايوص كأماكن للتخييم يكتمل المشهد بكل تفاصيله في هدوء الليل حيث يتسامر الساهرون ويجلسون قرب مواقد النار التي أشعلوها لإضاءة المكان حتى ساعات الفجر الأولى، وتفوح رائحة القهوة العربية في ظل أجواء أسرية تملؤها الألفة والمحبة. ويتزايد تدفق الزوار على منطقة البطائح القديمة التي أحياها طريق “الشارقة – الذيد” بعد أن كانت ممرا يصل إلى الذيد ودبي ومناطق مجاورة في عمق الصحراء قبل إنشاء الطرق الحديثة. الإنترنت تغزو الصحراء يذكر بعض زوار المكان أنهم جاؤوا من مدينة أبوظبي ومنطقة العين منذ عدة أيام للاستمتاع بهذا الجو المعتدل الجميل. ويقول سالم عبدالله لوكالة أنباء الإمارات (وام)، “تعودت التخييم في دبي .. وأستعد له مع أسرتي خلال إجازة المدراس.. وحضرت إلى هنا كي أستكشف مكانا جديدا كنوع من التغيير”. ويمتدح خطوات بلدية دبي في استخدام التكنولوجيا الخاصة والمتطورة لحجز المخيمات وفق الخرائط. وقال “إن الإنترنت غزت الصحراء في الإمارات وجعلت المكان معلوما للجميع .. فيما أصبح التخييم اليوم أسهل ولسنا في حاجة إلى الإرهاق لنجد المكان الأفضل له.. وكل ما علينا فعله هو تحميل مجموعة من التطبيقات التي تساعد على الوصول أماكن له حولنا والتي يكون أغلبها مزودا بخاصية الـ”جي بي أس” حتى تساعد للوصول بطريقة سهلة”. وقريبا من البطائح، تقع مناطق الرفيعة وتأهل ثم طوي السامان بالاتجاه نحو الذيد، وعليها يقبل المواطنون والمقيمون من جميع أنحاء الدولة لينصبوا الخيام ويقيموا أياما بينما يظل البعض أسابيع خاصة في موسم الإجازات المدرسية والعطلات. عادة إماراتيةسلام إلى سحر الشرق يتحدث علي بن رشيد من سكان المنطقة، “تعلمنا منذ القدم في هذه المناطق البرية حب التعاون أو ما يسمى بالفزعة وحتى في وقتنا الحاضر عندما نرى أحد الزوار وقد تقطعت به السبل نهب لنجدته في وسط الرمال”. ويشير إلى أحد الأماكن البعيدة، موضحا أنه يسمى “طوي السامان” نسبة إلى طوي وهو بئر قديم، غير أن الماء شح في هذه المناطق نظرا إلى قلة الأمطار، إلا أن الأهالي، ورغم الجفاف، ما زالوا يترددون على المكان وينصبون الخيام ويحلو لهم المقام لعدة أيام. ويضيف “إن الخروج إلى البر يعتبر عادة سنوية يمارسها المواطنون الإماراتيون في فصل الشتاء، وهو موسم سنوي يعد ضربا من ضروب العادات والتقاليد، حيث يلجأ أبناء الإمارات إلى نصب الخيام واستذكار حياة الأجداد الذين عاش الكثير منهم بالطريقة نفسها، مع الفرق في متطلبات التخييم الحالية، والتي أصبحت مجرد ترف معيشي بعدما كانت مسكنا ضروريا للكثير من المواطنين في الماضي”. ويقول ابن رشيد “التخييم الآن لم يعد بأدوات بدائية كما كان في السابق بل تحولت الخيام إلى أشباه منازل مكتملة في وسط الصحراء حيث تزود بأجهزة التلفاز ويتصل بعضها بالأقمار الاصطناعية وتتوافر بها مختلف وسائل الترفيه حتى أن بعضها مزود بكماليات أكثر من الفلل، إضافة إلى أفران الطهي وغيرها من الأجهزة المنزلية الإلكترونية”. ويوضح أن وادي العيصية ووادي تاهل والمسند وبالوحوش وطوي حسين نسبة إلى حسين بن لوتاه من أشهر أماكن التخييم في إمارة الشارقة، وهذه جميعها آبار ماء وتشكل جميعها الآن منطقة البطايح، مشيرا إلى مناطق أخرى تشتهر بالتخييم في الإمارة ومنها البيادر والقطاة والزبير. ويقول سلطان الخاطري من إمارة رأس الخيمة “إن التخييم ظاهرة حديثة مارسها جيل الحاضر بطريقته الخاصة، فعلى الرغم من أنها كانت موجودة لدينا في الماضي كسلوك فطري حيث كان التخييم يقتصر على طلعات القنص، إذ يخيم الناس للقنص كل في منطقته، فيما كان الشيوخ أكثر من يقومون بطلعات البر من أجل ممارسة القنص ويختارون منطقة معينة وينصبون خيامهم بها كمعسكر لهم يقيمون فيه ويستقبلون ضيوفهم من المواطنين والأجانب على حد سواء”. ويشير إلى أن ظاهرة التخييم لم تظهر إلا حديثا مع بداية الاتحاد حيث اشتهرت مناطق الحمرانية والساعدي والمزرع وعوافي وأم الخايوص كأماكن للتخييم. ويضيف الخاطري “أدى الإقبال الشديد على التخييم في وقتنا الحاضر إلى ظهور منتجعات صحراوية متخصصة تتوافر بها كل سبل الراحة والرفاهية وسط الصحراء”. أما علي بن محمد المزروعي من ليوا فيقول “لا يعرف التخييم في الماضي إلا البدو، إذ يشدون الرحال سعيا وراء العشب وإذا وجدوه في منطقة ما خيموا بالقرب من آبار الماء يروون ويسقون ماشيتهم”.ظاهرة التخييم لم تظهر إلا حديثا مع بداية الاتحاد حيث اشتهرت مناطق الحمرانية والساعدي والمزرع وعوافي وأم الخايوص كأماكن للتخييم ويضيف الخاطري “أما الآن فيقبل جيل الشباب على التخييم خاصة أيام الإجازات في منطقة الطوي غرب بدع زايد ناحية الشمال ويذهب الكثير منهم للتخييم في المناطق الشمالية خاصة في منطقة عوافي برأس الخيمة”. سياح في الرمال الذهبية تقول السائحة إميليا جيمس من بريطانيا “هنا في منطقة عوافي، يشدني النظر والتأمل في الأفق البعيد بين كثبان صحراء الإمارات اللامتناهية ورمالها الذهبية الناعمة، حيث تتناثر تشكيلات رملية ومنحوتات صخرية بفضل عوامل التعرية لتشق سكون المكان، وتزيده روعة وجاذبية، وتفتح مصراعي أبوابها لاحتضانك بين زواياها في تجربة استثنائية تحلق بك بعيدا في رحلة آسرة تنسيك صخب المدينة وأضواءها لتعيش الأجواء البدوية بكل تفاصيلها”. وتضيف “قد يرى العابر في صحراء الإمارات أنها أرض خالية من الحياة، وقد يستحيل العيش فيها، لكنها ليست كذلك، فهي أرض نابضة بالحياة، ولا يتوقف الاهتمام بالبيئة الصحراوية على النواحي السياحية، لكنه يتعدى ذلك إلى العمل على الاستثمار في مقوماتها كافة من أجل صحة الإنسان ورفاهيته، سواء للأجيال الحالية أو الأجيال المستقبلية لأنها مخزون رأس المال الطبيعي للإمارات”. وتشير إلى معرفتها بالصحراء في الإمارات منذ نصف عقد من الزمان، قائلة “كانت مناطق غامضة خالية من الزوار، لكنها الآن تبوح بأسرارها وتكتظ بزوارها من شتى المدن العصرية المجاورة للاستمتاع بمناظر طبيعية خلابة تسحر العيون وتأسر الألباب”. وتضيف “يكفي وجود عدد كبير من الحصون الأثرية القديمة التي ما زالت شامخة وسط الرمال الجرداء، مما جعلها تتميز بالخصوصية سواء في ما يتعلق بخلفيتها التاريخية أو لأنها تجاور ناطحات السحاب القريبة منها، مما يوفر للزائرين مزيجا رائعا من الثقافة العربية والمناظر الطبيعية البكر”. وتؤكد أنه، ورغم انتشار المدنية الحديثة في أرجاء الإمارات حيث المدارس والطرق والمستشفيات وأماكن التريض مثل الحدائق والمنتزهات العامة والفنادق الفاخرة ومراكز التسوق الحديثة والمنتجعات السياحية، إلا أن سحر الشرق موجود تحت رمال صحراء الإمارات.السياح يناجون الأفق البعيد في الصحراء ويقول مطر المنصوري، وهو مستثمر في قطاع السياحة الصحراوية، “أضحت السياحة الصحراوية أحد أهم مرتكزات النهوض بقطاع السياحة على مستوى الدولة وننظر إلى البيئة الصحراوية على أنها مصدر إلهام أجدادنا وآبائنا الذين تعلموا منها وتعايشوا معها من خلال إدارة مواردها القليلة بصورة مستدامة”. ويضيف “تعاملت الإمارات مع البيئة الصحراوية بحكمة وذكاء ومن خلال نموذج فريد يجمع ما بين المحافظة على نقاء هذه البيئة وتنميتها وتحويلها إلى بيئة سياحية جاذبة”. ويشير إلى أن الصحراء التي تشكل نحو ثلاثة أرباع مساحة الدولة، وفرت بيئة تنموية استثمرتها الدولة من خلال إقامة المشاريع السياحية والبيئية في قلب الصحراء، وإقامة العشرات من الأنشطة الرياضية والتراثية فيها بصورة دورية. ونوه بأن “دولة الإمارات أولت الاهتمام الكبير بالبيئة الصحراوية في تأسيس وتطوير السياحة البيئية المستدامة حيث تمثل هذه البيئة بنقائها وصفائها منطقــة جذب سياحي مهمة من خلال المشاريع السياحية التي أقيمت في قلب الصحراء”. ويذكّر بأن “الدولة تبنت برامج تنمية الحياة الصحراوية في مقدمتها برنامج إكثار المها العربية المهددة بالانقراض لحمايتها وإكثارها”. ويعتبر “صحراء الإمارات كنوزا طبيعية وتراثية متميزة تحكي قصة الإنسان الإماراتي وتكيفه مع الطبيعة الصحراوية القاسية التي ألفها بخبرته الطويلة واستطاع عبر الزمن التكيف والعيش بين أحضانها”. ويوضح “أن الكثير من الأماكن الصحراوية تعد مصدر جذب سياحي فريدا ومقصدا مهما للأفواج السياحية ورواد المغامرة الذين تستهويهم البيئة الصحراوية وما تحتويه من مقومات سياحية فريدة، إذ تعد هذه الرمال مقصدا سنويا للكثيرين ممن يعشقون حياة الصحراء بسكونها وهوائها العليل وتنوع مفردات الطبيعة والتراث وكرم أهلها”.

مشاركة :