تعتبر تقنية المقص الجيني كريسبر كاس 9 التي اكتشفت قبل نحو 5 سنوات بمثابة سلاح سحري للهندسة الوراثية حيث يستطيع الباحثون من خلالها إبطال جينات بعينها وتبديل أجزاء مختلة من الحمض النووي أو إضافة تسلسلات جينية أو تعديلها، ما يؤدي إلى انتهاء سلالات طويلة نمت على مدى سنوات وربما عقود. وهناك ميزة أخرى لهذه التقنيات ألا وهي إمكانية حدوث التعديلات التي تتم في المختبر بالطريقة نفسها في الطبيعة أيضا بحيث لا يمكن التمييز بين النباتات التي يتم تعديلها جينيا بهذه التقنيات الجديدة عن النباتات الطبيعية، وذلك خلافا للطرق السابقة للهندسة الوراثية. وذكر الباحثان شيبين وادواردز بضعة أمثلة على النباتات التي تم تحسينها باستخدام مقص كريسبر كاس 9 وقالا إن باحثين طوروا على سبيل المثال سلالات من الأرز أكثر مقاومة ضد الممْرِضات الجرثومية وطوروا سلالة جديدة من نبات الذرة أكثر قدرة على تحمل نقص المياه وسلالة طماطم تحتاج وقتا أقل للنضج. غير أن الباحثين الأستراليين أكدا في الوقت ذاته أنه لم تتم زراعة أي من هذه النباتات بشكل تجاري حتى الآن.التقنيات الجديدة التي تختصر تحت تعبير “التحرير الجيني” لها مميزات حاسمة مقارنة بالطرق التقليدية للاستنبات أو التقنيات السابقة للهندسة الوراثية إلّا أن النباتات التي عدلت وراثيا باستخدام تقنيات التحرير الجيني لم تتجاوز حتى الآن كونها أمرا خاصا بالمستقبل؛ إذ لا تتمتع بحضور ظاهر في السوق العالمية للبذور، “ولكن هناك منتجات قليلة جدا من هذه البذور في الولايات المتحدة” حسب كفايم. ولا توجد مثل هذه النباتات في الحقول الأوروبية حتى الآن. ويرى الباحثان الأستراليان أن استخدام هذه التقنية الجديدة للهندسة الوراثية مستقبلا بشكل موسع لن يتوقف فقط على النجاح الذي ستحققه الدراسات في هذا المجال بل أيضا على الوضع القانوني لها وما إذا كانت هذه النباتات ستصنف على أنها كائنات معدلة وراثيا أم لا. في الكثير من الحالات لا يتم إدخال جينات وراثية غريبة إلى هذه النباتات مما يجعلها لا تتميز عن النباتات التقليدية. وأوضح كفايم أن “هذا الأمر معروض منذ فترة طويلة على المفوضية الأوروبية” وأنه إذا تم إدراج النباتات التي تعدل باستخدام المقص الجيني كريسبر كاس في فئة الكائنات المعدلة وراثيا “فلن تكون لها فرصة في أوروبا على المدى المتوسط”. ستضطر الشركات التي تعتزم طرح هذه النباتات المعدلة في أسواق دول الاتحاد الأوروبي لخوض إجراءات إدارية وقانونية طويلة ومعقدة ربما تستمر عدة سنوات. ويسمح الاتحاد الأوروبي بزراعة نذر يسير من هذه النباتات حتى الآن. وتثير قضية النباتات المعدلة وراثيا الكثير من التساؤلات والتحفظات منذ ظهورها على الساحة، حيث يرى مؤيدو تقنيات الهندسة الوراثية أنها تساهم في توفير محاصيل أكثر في حين يرى معارضوها أنها تنطوي على مخاطر مجهولة ولا تصب سوى في مصلحة عدد قليل من الشركات العملاقة. لذلك فإن قضية مَا إذا كانت هذه النباتات تندرج تحت مسمى الكائنات المعدلة وراثيا -ما يصعّب رواجها في الأسواق- تثير نقاشا حادّا أيضا. ويرى الخبير الألماني للإرشاد الزراعي مارتن كفايم أن هذه التقنية تتمتع بمميزات بشكل رئيسي وأنها قليلة المخاطر نسبيا. ولكن ديرك تسيمرمان، الخبير في منظمة السلام الأخضر (غرين بيس)، يختلف في ذلك تماما مع كفايم؛ إذ يقول “ونحن نعارض في الوقت الحالي إطلاق مثل هذه الكائنات”.
مشاركة :