الشارقة:محمد ولد محمد سالم مما لا شك فيه أن لحظات الهزل والسخرية التي أثارتها المشاهد الحوارية بين جمال السميطي وحسن يوسف و«أبو القعقاع» مع ما صاحبها من إيماءات تهريجية أثارت ضحك الجمهور، وخففت عنه ثقل جو الانفجارات والهلع الذي صنعته المؤثرات الصوتية والضوئية على الخشبة، وشكلت مساحات تسلية واسعة خلال عرض «بين الجد والهزل» من تأليف جمال الصقر، وإخراج حسن رجب لفرقة مسرح الفجيرة التي عرضت مساء أمس الأول في قصر الثقافة، ضمن عروض مهرجان أيام الشارقة المسرحية السابعة والعشرين، وهي تعرض خارج المسابقة، لكن هل استطاع العرض أن يتناول بعمق القضية التي يطرحها، وأن يساعد المتفرج على فهمها؟ تقيم الأسرة عزاء لابنها «سالم» أو (سلّوم) الذي تعتقد أنه مات «هناك»، عندما كان يقاتل في صفوف المتطرفين الذين خرجوا لقتال من يعتبرونهم «أعداء الله ورسوله»، ويتحدث رجال الحي عن طيبة الابن، ويتعجبون كيف آلت به الحال إلى الالتحاق بالمتطرفين، وتبكيه النساء، ويلوم البعض سراً أهله على إهماله وتركه عرضة لإغواء المتشددين، وفي نهاية العزاء يتلقى الأب مكالمة من ابنه سلوم، فيصاب بالدهشة والفرحة معاً، ويؤكد له أنه ما زال حياً، ويتواصل معه عن طريق «سكايب» فيشاهد الأب صورة ابنه، ويطمئن عليه، ويقفز من الفرح. يتغير المشهد، ليتحول إلى أجواء معركة، وقذائف تتوالى، وقتلى يسقطون، وسط ظلام مطبق على المكان، ولا يرى سوى خيالات أشخاص مسلحين يتقافزون هنا وهناك ويسقط بعضهم، ويختبئ الآخر، ثم تنكشف الظلمة عن رجلين على هيئة رجال «داعش»، يبدو أنهما قد مرت عليهما فترة طويلة في ذلك المكان، ويبدو أحدهما وهو «سلّوم» جديداً على الأجواء، وهو يسأل رفيقه بإلحاح لماذا هما هناك؟، وما هي المهمة الموكلة لهما؟، ويتذمر من شدة العطش والجوع، ورفيقه يرد عليه بتجهم، ويصبّره، ويقول له: بأنه لا حاجة له إلى الأكل أو الشرب؛ لأنه سوف يموت شهيداً، وأثناء الحديث يتعرف سلّوم على هوية رفيقه، فهو «صلّوح» صديقه وابن قريته، لكن ملامحه اختفت تحت لحيته الكبيرة، وأثوابه «الداعشية»، ويبدأ سلّوم في السخرية من صلّوح، والتعجب منه كيف أصبح متطرفاً؟ واقتنع بالجهاد ضد «الكفار» الذين لا يعرف شكلهم، ولا هويتهم، وكيف يعتقد أنه إن مات في ذلك المكان المجهول برصاص مجهولين سوف يكون شهيداً؟.وبينما هما على تلك الحال، تقبل عليهما كتيبة «داعشية» بقيادة رجل يكنى «أبا القعقاع»، يبدو أنها هي الكتيبة التي يتبعان لها، وبعد حوارات هزلية، يسخر فيها سلّوم من أبي القعقاع وكتيبته وقناعاتهم، واعتبارهم كل الفئات والطوائف والمجتمع، بل كل البشر ضالين وكفاراً يجب جهادهم وتدميرهم، بعدها يخبر أبو القعقاع صلّوح وسلّوم بأنهما سيبقيان هناك لحراسة المكان، وليكونا أول من يلقى العدو، ويفوزا بالشهادة، ويحذرهما من الهرب؛ لأنه قد زرع فيهما متفجرات يتحكم فيها عن بعد.تصبح تلك المتفجرات كابوساً لهما، ومناسبة لحركات ساخرة، وتمر عليهما أشكال من الكتائب المعادية، وتحاول إحدى الكتائب القبض عليهما، وبعد صراعات وأحداث، يموت صلوح، ويبقى سلّوم الذي يلتقي بفتاة صغيرة، فقدت أهلها وشردتها حرب «داعش» ضد مدينتها، فيأسى لحالها، ويلعن الحرب والتطرف والإرهاب الأعمى الذي يرى أصحابه أن العالم كله عدو لهم. أحسن المخرج حسن رجب اختيار الأزياء والرموز الممثلة للمتطرفين، كما أنه ومن خلال المؤثرات الصوتية والضوئية أعطى أجواء حقيقية لميادين المعارك، ولعبت المقطوعات الموسيقية والاستعراضية بين المشاهد المختلفة دوراً بارزاً في كسر الرتابة مع التمهيد للمشهد الموالي تمهيداً مناسباً، لكن ذلك الجو الهازل طغى على العرض فأفسد القضية المطروحة، وحولها من ظاهرة عميقة وخطيرة عربياً وعالمياً إلى مجرد موضوع للسخرية، فظاهرة التطرف، أو الظاهرة «الداعشية» كما أصبحت تسمى، ليست ظاهرة بسيطة تقدم على المسرح هكذا؛ لأن لها أبعاداً اجتماعية ونفسية وفكرية وسياسية ينبغي أن تحلل وتعرف أسبابها، وتكشف خباياها، والمسرح هو المكان المناسب لذلك التحليل المعمق للقضايا الاجتماعية الخطيرة، التي تهدد كيان المجتمع، ولا يزال الناس حائرين، كيف يترك شبان في ريعان أعمارهم أحبتهم وأوطانهم بمحض إرادتهم ويسافرون بعيداً، ليقاتلوا عدواً مجهولاً؟، أو لينفذوا عمليات انتحارية في مدن آمنة، وأسواق مزدحمة، مخلفين وراءهم مئات القتلى الأبرياء؟، وكيف يقتنعون بأن العالم كله على باطل، وهم وحدهم على حق؟، إنها قضية تحتاج إلى عمل مسرحي في مستوى إِشكالها، وعنف مظهرها، ومأساوية نتائجها؟.
مشاركة :