بوتين يريد إسقاط الاتحاد الأوروبي

  • 4/30/2014
  • 00:00
  • 22
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي يرغب بوتين في أن يخلف وراءه «إرثاً ضخماً ومجيداً» من طريق التوسع الخارجي والطموحات الامبراطورية. ومشروع الاتحاد الأوراسي لم يقنع دولاً كثيرة، وثورة مَيْدان في أوكرانيا وجهت إليه ضربة قاتلة وأطاحته. ولذا، سعى الرئيس الروسي إلى بديل عن مشروعه المجهض، حاول وضع اليد على أوكرانيا. ولكنه وقع في شراك «إنجازه». ورفع ضم القرم إلى روسيا معدلات شعبيته في روسيا. فوجد بوتين نفسه مضطراً إلى إحراز إنجازات مماثلة، في وقت يتعذر ذلك والسبيل إليه عسيرة وشائكة. وأساء الرئيس الروسي تقدير أحوال أوكرانيا، وحسِب في وقت أول أن في إمكانه الإمساك بمقاليدها بواسطة يانوكوفيتش، وأعتقد أن ضم القرم سيفرط عقد أوكرانيا كلها. ولكن توقعاته لم تكن في محلها. فالأمة الأوكرانية رسخت مشروعيتها، وأرست دولة تمثلها. ولم يعد يسيراً السيطرة عليها. وحساباته لم تصب، ولكنه يخشى خبو بريق «نجوميته»، ولم يعد يملك خيار التراجع. فبقاؤه في الحكم هو رهن المضي قدماً في التوسع. وإذا تراجع سقط عن كرسيه. ويخشى المسؤولون الرومانيون أن تشعل روسيا فتيل نزاعات على ضفاف البحر الأسود من جورجيا إلى مولدافيا. ولكنني لا أرى أن النفخ في هذه النزاعات ممكن اليوم. وبوتين يراقب الرد الغربي على احتلاله القرم. وفي منطقة ترانسنيتريا، وهي إقليم صغير بين أوكرانيا ومولدافيا، يمتحنُ الرئيس الروسي الاتحاد الأوروبي. وأبرز أهدافه الاستراتيجية هو إطاحة الاتحاد هذا. وحوادث القرم هي نموذج قد يحتذيه بوتين في غيرها من المناطق، إذا لم تحرك أوروبا ساكناً. والكلام على «حماية الأقليات» يفتقر إلى الدقة. ففي الماضي، زعم هتلر حماية الأقليات الناطقة بالألمانية في السوديت في تشيكوسلوفاكيا. ولكن أبناء هذه الأقلية لم يكونوا ألماناً يلتمسون حمايته على خلاف ما زعم. والناطقون بالروسية في دول البلطيق اليوم ليسوا من الروس، وهم مواطنون في بلد يعيشون فيه ويتمتعون بحقوق وحريات أوسع من تلك التي تغدق على مواطني الفيديرالية الروسية، وهم في غنى عن «وصي» يحميهم. ولكن الوضع في مولدافيا قد يدعو إلى القلق. فهي ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي على خلاف دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا واستونيا ولاتفيا. وقد تشن في مولدافيا حملة روسية لزعزعة استقرار أوروبا. وتطعــــن موسكو في مشروعية الحكومة الأوكرانية المنبثـــقة من احتجاجات مَيْدان، وتندد بفاشية بعض المســؤولين. ولكن لا يخفى على المطلعين على أحوال الثورات أنها حادثة يشارك فيها السمكريون والمؤرخون والنباتيون والمناضلون النسائيون والشباب والمسنون...، أي كل شرائح المــجتمع بما فيها اليمين المتطرف. وعصفت ثورة بأوكرانيا شارك فيها أوكرانيون من مشارب مختلفة. واليمين المتطرف يمثل 3 في المئة من الناخبين. وهذه نسبة متدنية تحسد أوكرانيا عليها في وقت يرتفع مد الحركات اليمينية في فرنسا وعدد من الدول الأوروبية. وتوسل نظام يانوكوفيتش العنف من أجل البقاء في السلطة، ساهم في إبراز دور المتطرفين القوميين الأوكران. فعدد ضحايا عنف حكومة يانوكوفيتش في أوساط الحزب القومي المتطرف، سفوبودا، كبير. فـ16 قتيلاً من ضحايا ميدان البالغ عددهم 80 قتيلاً، هم من هذا الحزب. ولا شك فـــي أن اجتــــياح روسيا أوكرانيا سيــــرفع شعبية سفوبودا وينــــفخ في المشاعر القومـــية. فتصدق مزاعم الروس بأن الثورة الأوكـــرانية «فاشـــية». وثمة تناقــــض لافــــت: حكومة مستبـــدة وقومية تسوغ اعتــــداءاتها الإمبريالية التوسعية بمكافحــــة (أقلية) فاشية تشارك في ثورة بلد لا تنفك موسكو عن تهديده بتقطيع أوصاله وابتلاعها. ولا يخفى أن اليمين المتطرف الروسي يتربع في الحكم، ونفوذه في أوكرانيا ثانوي. ومضى على انهيار الاتحاد السوفياتي عقدين من الزمن، ولكن شعلة «الذهنية» السوفياتية لم تخبُ واتسمت في الأثناء بطابع قومي روسي. ويدور الكلام في موسكو اليوم عن «بلد شقيق» و «مساعدة أخوية»، وتبرز شيئاً فشيئاً لازمة سوفياتية تبعث من جديد: «الدولة تبددت». وهذه اللازمة تذرع بها ستالين إلى اجتياح بولندا في أيلول (سبتمبر) 1939 واقتسامها مع هتلر. وحين يُعلن «تبدد الدولة»، يصير التدخل من أجل «حماية أبناء قوميتنا» و «أقلياتنا الاتنية» مسوغاً. ويرفع لواء إنقاذهم من دولة تتذرر. وتصف موسكو كل حركة ديموقراطية بالمؤامرة الغربية. وعليه، تعتبر رغبة الأوكرانيين في الالتحاق بالاتحاد الأوروبي وليس بالاتحاد الأوراسيوي، بالمؤامرة. ولا خيار أمام الأمم الأوروبية، فإما تندمج في الاتحاد الأوروبي أو تبتلعها الامبراطورية البوتينية الأوراسيوية التي تحتقر الديموقراطية وتستخف بحقوق الإنسان. والأوروبيون لا يستسيغون تقسيم القارة إلى أعداء وأصدقاء. ولكن هذا التقسيم لا يجافي الواقع. ولا يعود إلى أميركا الدفاع عن أوروبا. والأزمة الأوكرانية هي امتحان لأوروبا تتجه إليه أنظار العالم كله. فإذا نجحت في حماية مصالحها، صارت لاعباً جيو استراتيجياً يعتد به.     * مؤرخ أميركي صاحب «أرض الدم: أوروبا بين هتلر وستالين»، عن «لوبوان» الفرنسية، 17/4/2014، إعداد منال نحاس

مشاركة :