خصخصة القطاع الصحي الحكومي !!

  • 4/30/2014
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عندما أدخلت الأفكار بشأن تحويل الملكية العامة للقطاع الخاص لأول مرة في كندا في السبعينات، كان هناك قول شائع مفاده أن «الخبراء في تحويل الملكية العامة للخاصة أشبه بأشخاص يعرفون مائة طريقة مختلفة لحب المرأة ولكنهم لا يعرفون أية امرأة»، وكان في هذا التشبيه قدر من الحقيقة في تلك الأيام.. إلا أن تطور النظم وأساليب نقل الملكية العامة إلى الملكية الخاصة في الدول المتقدمة والنامية في القرن الحالي جعل من هذه الحقيقة أكثر المستجدات نجاحا في التاريخ الحديث للسياسة الاقتصادية، للدرجة التي لا يذكر اسم سيدة كـ«مارجرت تاتشر» ــ على سبيل المثال ــ إلا ويذكر معه التخصيص كجزء أساسي لسياستها الاقتصادية في بريطانيا.. ولا شك أن التجارب الحقيقية للدول التي خاضت تجارب الخصخصة بنجاح أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن عملية تحويل الملكية العامة إلى القطاع الخاص من شأنها رفع معدل النمو الاقتصادي، وتحسين مستوى الجودة والخدمات التي يتمتع بها الجمهور، وتخفيض العجز في موازنة الدول، ومن ثم الحد من التضخم وزيادة ارتفاع الادخار الوطني والاستثمار، وذلك نتيجة لفتح أبواب الاستثمار أمام المدخرين، الأمر الذي يؤدي إلى «تسييل الأصول» في حالنا «الأراضي البيضاء» إلى استثمار منتج.. وبديهي أن هذا كله سيؤدي إلى زيادة الفرص الوظيفية ورفع مستوى الأجور والدخول الحقيقية، كما يشجع على تسارع استيعاب التكنولوجيا الحديثة ومسايرة العالم في هذا المضمار.. هذا وإن كنت من أكبر المؤيدين لخصخصة الملكية العامة بشكل عام، والقطاعات الحكومية الصحية بشكل خاص، إلا أنني أؤكد أن هذه العملية لن تتم بنجاح ما لم يلتزم بالشروط الدقيقة التي كفلت نجاح التجارب في مختلف أنحاء العالم.. والنجاح في تحويل الملكية العامة لا يقتصر على دول العالم الأول.. ففي النصف الأخير من العقد المنصرم تمت 30 عملية في أفريقيا، و65 عملية في أمريكا اللاتينية، و250 في آسيا، وكلما أمسكت بصحيفة يومية في أوروبا الغربية تقرأ عن بيع مشروعات الدولة ومؤسساتها للقطاع الخاص، وخصخصة القطاعات الصحية العامة لا يتعارض إطلاقا مع تمويل الحكومة للخدمات الصحية وممارسة هذه الخدمات بواسطة القطاع الخاص، ففي المملكة المتحدة يشجع نظام الخدمة الصحية الوطني الأفراد على اختيار أطبائهم الذين يدفع لهم بعد ذلك مبالغ متفق عليها من الأموال العامة من كل شخص من قوائمهم الخاصة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت الدولة تدفع من خزينتها للمتقاعد وغير القادر للعلاج في المؤسسات الخاصة.. ولقد أثبتت الإحصائيات أن البرامج الصحية التي تقدم عن طريق الحكومات في معظم الدول أكثر تكلفة بكثير عن نفس البرامج المقدمة من القطاعات الصحية الخاصة التي تحرص على مراقبة الهدر، كما أن إنشاء المشروعات الحكومية الصحية يزيد وبفارق كبير على الإنشاءات الخاصة، إضافة إلى أن الوقت يزيد بين البداية وإتمام إنشاء المشروع، والأسباب معروفة، حيث إن البرامج الحكومية لديها جهاز إداري أكبر مما يجب ويطغى عليه الروتين البيروقراطي المعقد الذي يساهم وبشكل مباشر في انتشار هذه الظاهرة .. ولا شك أن هناك أكثر من شكل لتحويل النشاط الصحي العام إلى نشاط خاص، أستعرض شكلين هنا ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ كمرحلة أولية.. الأول: تأجير الأصول الصحية المملوكة التي لم تشغل بعد لشركات التشغيل العالمية، ووفقا لشروط مناسبة لتحقيق المصلحة العامة للجمهور والاقتصاد الوطني، والإبقاء على الرعاية الأولية والوقائية كنشاط عام، والتوقف عن إنشاء مستشفيات جديدة من قبل الدولة، الثاني عن طريق طرح الخدمات الصحية على القطاع الخاص للتعاقد على إدارتها وتشغيلها واستيفاء الرسوم من الخزينة العامة وفق نظام الإحالة من مراكز الرعاية الأولية، مع الالتزام بالشروط اللازمة لحماية متلقي الخدمة.. إن تخصيص المملكة لبعض المرافق العامة فكرة متميزة، ومصدر تميزها أنه جرت العادة في هذه العمليات أن تتخلص الحكومات من المشروعات الخاسرة التي لا تحقق أي أرباح، والتي تستنزف الموارد العامة دون تحقيق نتائج إيجابية أو نتائج تتوافق وتطلعات المواطن، والمملكة العربية السعودية طرحت بعض مرافقها العامة ذات الأرباح العالية للخصخصة؛ لأنها لم تلب حاجة المواطن بالشكل المناسب كالاتصالات السعودية؛ لذا فإن تجربة تخصيص القطاع الصحي العام ستكون تجربة فريدة وراقية، وستكون المفتاح الحقيقي لتجديد النمو الاقتصادي، وهي خطوة رائدة على طريق التنمية والعيش الرغيد للمواطن.. هذا وسأتناول في مقالات لاحقة كيف يمكن تحويل الوزارة إلى منظم للخدمة بدلا من مقدم لها، ونشر التأمين التعاوني كسياسة حضارية عظيمة الجدوى من شأنها رفع مستوى الرعاية وخفض النفقات العالية وتمكين المواطن والمقيم من الحصول عليها بسهولة ويسر!.

مشاركة :