نظراً للمحاججات المتعارف عليها والمعترف بأهميتها الجيوستراتيجية والاقتصادية العالمية، تحتل منطقة الشرق الأوسط حيزاً هاماً على خارطة الدراسات السياسية والأكاديمية على نحو يتخطى حدودها الجغرافية. ويبقى الجدل الأساسي الذي يعتصر هذا البحث مرتبطاً فيما إذا كانت المنطقة تمثل «حالةً متفردة، مغايرة تماماً لبقية العالم، وعصيةً على فهم الدخلاء»، أو إذا كانت تتمتع بالانفتاح على التحليل من قبل «نظام فكري عمومي التطبيق»، حسب كلام الكاتب والأكاديمي الإيرلندي فريد هاليداي. ويبحث المقال من خلال التقييم النقدي لنظرة فريد هاليداي القائلة بأن «فرادة» الشرق الأوسط خضعت للمبالغة في التقدير من قبل المثقفين والمحللين، وفق ما جاء في كتابه «الإسلام وأسطورة المواجهة: الدين والسياسة في الشرق الأوسط»، في الجدلية التي تنص على أن هذا الدمج بين الكونية التحليلية والخصوصية التاريخية يقدم نقداً قاطعاً للإطارين التحليليين الوجودي والكوني. غير أن رفضه لنظرية ما بعد البنيوية النقدية مضلل ويتجاوز حتماً عناصر التكامل بين مقاربته والنظريات المطروحة. وخلافاً لما يستعرض هاليداي من ثنائية تفصل بين مفهومه التحليلي الخاص ونسبوية التثبيت المزعومة لأطر ما بعد البنيوية، فإن الفهم الصحيح لرؤى فوكو التي تحلل العلاقة بين السلطة وإنتاج المعرفة يمكن في الواقع أن يدعّم مقاربة هاليدي عبر استحضار التأمل الذاتي النقدي والمعياري. وتتيح هذه التركيبة تأكيد الخصوصية التاريخية للشرق الأوسط وإمكانية تطبيق العلوم الاجتماعية أيضاً، مع الاحتفاظ بالوعي الذاتي الانعكاسي الوجودي المطلوب لتفادي تجسيد المجردات غير المتعمّد لعلاقات الهيمنة التاريخية بين الغرب و«الشرق». ويشير هاليداي في معرض تحقيقه في أبيستمولوجيا العلوم الاجتماعية وأنطولوجيتها، إلى إمكانية تحليل الشرق الأوسط وفهمه بالاستناد إلى «الصنوف التحليلية والنظرية العامة، بمعزل عن البيانات والحالات الخاصة»، وقدّم هاليداي برفضه سياقي الاستدلال الوجودي والكوني لتوليفة «الخصوصية التاريخية» و«الكونية التحليلية». ويرفض هاليداي المفاهيم الكونية كالحداثة التي يشكل الشرق الأوسط بموجبها جزءاً آخر ببساطة من العالم المتأخر عن تحقيق غائية الحداثة الاقتصادية والسياسية. كما يدفع بنظريات أنظمة العالم الماركسي التي تثبت المنطقة على موقع الاقتصادات «الثانوية» المتجانسة في النظام الرأسمالي العالمي. ومن الواضح أن دمج هاليداي للخصوصية التاريخية والكونية التحليلية قد قوّض أطر العمل النظرية الوجودية والكونية. وهو ليس مدعوماً وحسب من الأدب النظري والتجريبي المرتبط بالشرق الأوسط، بل قادر على تقديم شرح أفضل عن خصوصية المنطقة بالاستناد للصنوف التفسيرية المرعية عامةً على نحو المصالح المادية والحسابات الاستراتيجية، وعلاقات القوة. ويشير هاليداي برفضه الاستشراق على أسس منهجية وأنطولوجية، إلى فشل المستشرق إدوارد سعيد في المهمة الفكرية المركزية، وتحديداً تحليل المجتمعات ذات الصلة. ويظهر هاليداي فهماً محدوداً لمفهوم «الخطاب» ما بعد البنيوية ويحصره فقط «بما كان الناس يقولون ويكتبون». ويسيء هذا تفسير مفهوم سعيد المتماهي مع فوكو حول الخطاب باعتباره نتاج علاقات القوة «المرافق للمؤسسات الداعمة، والمفردات والمنح والصور والمذاهب وحتى البيروقراطيات والأساليب الاستعمارية» بمعنى آخر أحد صيغ المعرفة المنتجة والمنتشرة بين الشبكات المختلفة، وقوى النفوذ الاجتماعي والمؤسسات القانونية. 1979 يظهر فريـــد هاليـــداي، وفق ما أشار الكاتب سامويل سينغلر، عبر رفض وضــع الإســـلام في الخانة التفسيرية، أنه لا يعتبره بأي شكل من الأشكال متفرداً خاصاً بالشرق الأوسط، ويضــــع بالتـــالي فرضية الاستشراق حيال استمرارية المعـــتقدات والحـــضارات عبر القرون موضع شك. إلا أن عدم قابلية الحضارة الإسلامية للتبدل قوضتها مدرسة المراجعة التاريخية المتعلقة بالتأسيس الفعلي لآثارها السياسية، في ضوء الثورات والتحولات، سيما تلك التي حدثت في العام 1979. أضف إلى ذلك أن التحقيقات التجريبية قد أظهرت بأن المجتمعات والمؤسسات الشرق أوسطية قد نزعت بشكل متزايد نحو العلمــانية على الرغم من الطابع الديني، والخطابات التي تصور المــؤسسات على أنها «إسلامية» الأصل. معاينة في معرض سعيه لتوضيح المصالح المادية وعلاقات القوة المتبدية في خطاب استعراض المفاهيم التي يفترض أنها غير تاريخية مثل «الإسلام السياسي»، جاءت المعاينة النقدية لهاليداي مشابهةً على نحو وثيق لتحليل فوكو الجينيالوجي. بين الخصوصية التاريخية والكونية التحليلية جينيالوجيا: علم مهتم بأنساب القبائل والعشائر والأسر المحلية. يتعرف منه أنساب الناس وقواعده الكلية والجزئية. الأنطولوجية أو علم الوجود، أحد مباحث الفلسفة، الذي يدرس الوجود بذاته، وهو نسق من التعريفات الكلية التأملية في نظرية الوجود عامة. أبيستمولوجيا: فرع في الفلسفة العامة يبحث في أصل المعرفة وطبيعتها ومداها ومدارسها المختلفة.
مشاركة :