عمر عبدالعزيز مفكر يمني تنويري بجدية الأقدمين بقلم: خالد عمر بن ققة

  • 3/26/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

عبدالعزيز يعد من الباحثين القلائل في الوطن العربي الذي لم يتملّكه تخصصه ولا سيطرت عليه تجربته الإعلامية، حيث واصل إبداعه الأدبي والفني.العرب خالد عمر بن ققة [نُشر في 2017/03/26، العدد: 10583، ص(9)]ابن لطبقة ثقافية وسياسية حدودها العرب والعالم أبوظبي - يُمثَّل الكاتب اليمني عمر عبدالعزيز قامة إعلامية وفكرية وأدبية وفنية على الساحة العربية، إليه تشدُّ الرحال بحثا أو تزودا بقضايا الإبستيمولوجيا وإلى رصيده وتجربته الإعلامية يتم الاحتكام ممن عاصروه أو من الأجيال الجديدة بمن فيهم أولئك المنتمون إلى الإعلام الجديد الإلكتروني والاجتماعي. ومن رؤيته النقدية وأحيانا الفلسفية يتلقى الباحثون الإجابات الكبرى المتعلقة بالحركات والمدارس الأدبية مثلما ينخرطون معه، إن أرادوا، في التفاعل مع الأطروحات الكبرى المتعلقة بالفلسفة والوجود ومن إلمامه بعلم الجمال والفنون، خاصة الرسم، يتم تحري مسار الفن ودروبه ومجالاته عربيا وعالميا. على النَّحو السابق هو موسوعة بكل المقاييس تذكَّرنا كُتُبه وكتاباته ومحاضرته وندواته بأسلوب الأولين في الدرس والبحث دون أن يفقده ذلك عصرنة المنهج والنظرية والأسلوب. حتى أن المتعة التي نفقدها في غالبية الأعمال الأدبية تنظيرا وتدريسا وتأليفا في ساحاتنا العربية نجدها حاضرة لديه مصحوبة بتزيُّن معرفي بعيدا عن التنطع أو الإسفاف أو التعقيد. وباختصار تتجلى فيه وعبره “الحكمة اليمنية” رغم أن واقع اليمن الحالي جعلها تختفي في انتظار سيادة أهلها في المستقبل المنظور. من ناحية أخرى يعدُّ عمر عبدالعزيز شاهدا على التجربة العربية منذ أيام انتصار الثورات العربية ضد المحتل الأجنبي ورفع شعارات الوحدة والاشتراكية والقرار الوطني المستقل والتحرر الاقتصادي، مٌرُوراً بانتصارات وخيبات وانتكاسات المشروع القومي وُصولا إلى الثورات العربية الجديدة ضد الحكومات الوطنية المستبدة والتي لازلنا نعيش ويلات إخفاقها لأسباب كثيرة. وتلك شهادة شاملة فصلها في كتاباته الصحافية وتطبيقاته الإعلامية في المجال المرئي وفي طرحه لقضايا الاقتصاد والأدب والفن وكل مجالات الإبداع الأخرى. بين زمانين وفضاءين بدأ عبدالعزيز حياته المهنية في عدن عاصمة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ثم عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية مُحرّراً صحافيا بوكالة أنباء عدن وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، ثم إعلامياَ بوزارة الخارجية بداية السبعينات من القرن العشرين فمعاوناً لشؤون التخطيط والثقافة والإعلام بسكرتارية مجلس الوزراء فمديراً عاماً لتلفزيون اليمن الجنوبى سابقاً ثم رئيساً لتحرير مجلة “نداء الوطن” الخاصة بالمغتربين اليمنيين. ويكمن تقسيم التجربة العملية والبحثية والإبداعية للمفكر عمر عبد العزيز إلى مرحلتين، المرحلة الأولى طغى عليها الجانب الإعلامي وهي غارقة في محلية اليمن الجنوبي من الناحية المؤسساتية ولكنها أيضا أظهرت توسع نشاطه في الجانب الأكاديمي، من ذلك تعيينه محاضراً منتدباً لمادة “علم الجمال” بكلية التربية بجامعة عدن وبعدها أصبح مديرا عاماً لمعهد الفنون الجميلة فيها وفي الوقت نفسه محاضراً منتدباً لمادة “الاقتصاد الدولي” بكلية الاقتصاد بعدن أيضاً ورئيساً لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين كما أقام معرضين تشكيليين هناك. أما المرحلة الثانية فقد تميَّزت بتغير في جغرافيا المكان وما يتبع ذلك من دور ومن منجز معرفي وإبداعي، بدأها من منتصف عام 1995 وإلى غاية اليوم قضاها في دولة الإمارات العربية المتحدة وقد تميزت بتعدد إبداعاته وتنوعها، وهي متقاربة من ناحية المدة الزمنية من الفترة الأولى من حياته التي قضاها في اليمن، وهذه الفترة الأخيرة من تجربته سيطر عليها البعد الإعلامي وتعتبر في سنواتها الثماني الأولى مكملة لفترة عدن التي تمثل المرحلة الأولى من حياته وإن كانت أغزر إنتاجا وأكثر حضورا.عمر عبدالعزيز يعد شاهدا على التجربة العربية منذ أيام انتصار الثورات العربية ضد المحتل الأجنبي ورفع شعارات الوحدة والقرار الوطني المستقل مرورا بانتصارات وخيبات وانتكاسات المشروع القومي وصولا إلى الثورات العربية الجديدة ضد الحكومات الوطنية المستبدة والتي لازلنا نعيش ويلات إخفاقها لأسباب كثيرة عمرعبدالعزيز من الباحثين القلائل في الوطن العربي الذي لم يتملّكه تخصصه ولا سيطرت عليه تجربته الإعلامية، وبالتالي لم يتمكنا من الحيلولة بينه وبين إبداعه الأدبي والفني، وإن كان قد استفاد منهما في تعميق أطروحاته الفكرية حيث نجده يوظف شفافية ودقة الاقتصاد في التحليل وهو الحاصل على رسالة الماجستير المجازة في كلية العلاقات الاقتصادية الدولية برومانيا بعنوان “أثر العلاقات النقدية الدولية على اقتصاديات البلدان النامية”، وعلى رسالة الدكتوراه المجازة في أكاديمية العلوم الاقتصادية برومانيا بعنوان “إشكاليات التعاون الاقتصادي العربي”، كما يوظف الإعلام في حضوره الطاغي والفاعل والمتميز في الساحات العربية ومنها على سبيل المثال صنعاء وعدن وعمان وأبوظبي والشارقة والكويت ودمشق وتونس والدوحة والخرطوم وغيرها. وقد أبدع في الإعلام المرئي حين أعدّ وقدم عددا من البرامج لفضائية الشارقة منها على سبيل المثال “مدارات” و”زمن الإبداع”، فنال الجائزة الثانية في مهرجان القاهرة للبرامج الثقافية العربية، وأيضا من خلال كتابته لزوايا أسبوعية وشهرية في المجلات والصحف ومنها الرافد ومرامي والخليج الإماراتية وعشتروت السورية و26 سبتمبر والثقافية اليمنيتين. لغة الكون واحدة يشغل عبدالعزيز في الوقت الراهن منصب مدير إدارة البحوث والدراسات بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، ورغم إشرافه المباشر على عملية النشر، وهي كثيرة ومتنوعة، إلا أنه ظل وفيا لإبداعه وقد ساعدته معرفته للغتين الرومانية والإنكليزية بالإضافة للعربية على إثراء الأدب العربي، وإجراء مقارنات بين مبدعين غربيين ومؤسسين عرب أوائل ومعاصرين، وتأليف عدد من الكتب في مختلف التخصصات والمجالات منها على سبيل المثال المجموعة القصصية “من يناير إلى يناير” وكتابات أولى في الجمال “بحث في علم الجمال” و”مقاربات في التشكيل” و”ناجي العلي الشاهد والشهيد” و”الصوفية والتشكيل” و”زمن الإبداع” و”تحولات النص” كتاب مشترك مع كوكبة من النقاد التشكيليين وأخيراً “النقد والإبداع”. يبقى أن نشير هنا إلى منجز معرفي آخر لدى عبدالعزيز وهو الألسنيات لجهة دراسة دلالة مفردات اللغة والأصوات والموسيقى وموقع ذلك في تراثنا العربي وفي الابتكار اللغوي الراهن لدى الغرب. ومن ثم المقارنة بينهما سواء من خلال اللغة الشفاهية أو المكتوبة وكأنه بذلك يحيلنا إلى العلامات الدالة في المجتمعات والتي لا يكمن لنا أن نكتب دون قراءتها. وهو بذلك يؤصِّل قضايا إبستيمولوجية هي محل نقاش دائم بين المختصين، ففي مقال له تحت عنوان “هندسة الحروف.. بين ابن عربي ودي سوسير” يقول “قبل حين من الزمان تنكَّب عالم اللغويات السويسري فرديناند دي سوسير مشقَّة البحث المستفيض في معارج اللغة وتفاصيلها الكثيرة، وقد أدرك حينها أن اللغة الشفاهية هي الأصل في مُعادلة الكتابة، بل واللسان بالمعنى الواسع للكلمة، وقد تبيَّن له لاحقاً أن اللغة لا تقف عند تخوم المستويين المشار إليهما، بل تتوسَّع لتصل إلى ما يمكن تسميته بالكتابة الناجمة عن اختيارات اعتباطية للهيئات والأشكال”.عبدالعزيز يطرح ما يمكن أن يكون وجهة نظر النخبة اليمنية التي ترى بلادها وهي تنهار نهبا للإيرانيين وذيولهم. فقد قال في مقال من مقالاته عن الأحداث التي يشهدها اليمن إنها “عند العليمين بتاريخ وجغرافيا اليمن ليست سوى إعادة إنتاج ملهاوي لتاريخ طالما تقدم على خطى التناسخ الأكروباتي لثقافة الكر والفر بقدر ثقافة التعايش والتكامل” وفي المقال نفسه يشير إلى كيفية تناول التراث العربي هندسة الحروف ويذكر بهذا الخصوص ما يلي “في متنه الكبير بعنوان: الفتوحات المكِّية، قال الشيخ محي الدين بن عربي إن لغات الكون واحدة، واعتبر العربية معياراً لكل تلك اللغات، وهو فيما قال ذلك كان يومئ لحقيقة مطلقة تقول إن أيّ لغة معروفة على وجه الكرة الأرضية يمكنها أن تكون معياراً لكل اللغات”. سريالية الأوضاع اليمنية كتب عبدالعزيز ما يمكن أن يكون وجهة نظر النخبة اليمنية التي ترى بلادها وهي تنهار نهباً للإيرانيين وذيولهم ونهباً أيضاً لانعدام الرؤية الاستراتيجية ممن يتصدون لذلك الزحف الهمجي. وقال في مقال من مقالاته نشرته البيان الإماراتية “وقف المراقبون في عموم العالم العربي أمام التطورات المستجدة في اليمن والتي بَدتْ في أعين البعض منهم كما لو أنها حالة سريالية مُستعصية على الفهم والاستيعاب، إلا أنها عند العليمين بتاريخ وجغرافيا اليمن ليست سوى إعادة إنتاج ملهاوي لتاريخ طالما تقدَّم على خُطى التناسخ الأكروباتي لثقافة الكر والفر، بقدر ثقافة التعايش والتكامل” ويضيف عبدالعزيز “من المحزن حقاً أننا لا نقرأ التاريخ القريب، وكانت حروب صعدة الست مثالا فاقعا عن خيبة المسعى والمآلات، فقد جرت تلك الحروب بعنوان صارخ يتحدث عن تمرد الحوثيين على الدولة، فيما كانت الأهداف الميكيافيللية الخفية للحرب قابعة في فكرة التخلص من رفاق الدرب غير القابلين بالترتيبات السياسية الجديدة الخارجة من دولاب الرئيس السابق ومستشاريه الميامين”. ورغم هذا الثراء المعرفي العميق يرى بعض المختصين أن تنوع المنتج الفكري والإبداعي لدى عبدالعزيز أحدث تقاطعا بين القضايا المطروحة فضاعت بذلك نتائج التأسيس، لكن الحقيقة في حدود قراءاتي ومتابعتي لنشاطه هو مفكر تنويري يسير في جدية البحث على خطى الأوائل أهل الفكر الموسوعي. كيف لا وهو الذي كثيراً ما استشهد في حديثه عن اليمن ورجالات اليمن بالعلامة الكبير ابن خلدون، إذ يأخذ عنه أن كان “أول من كاشف محنة الزعامات التي تقود الأوطان وعينها على المال، بل كان سبَّاقاً في اعتبار القيادة الرشيدة مستحيلة عند القائد التاجر، وبلغة عصرنا القائد المنخرط في تجارة المال والأملاك وشراء الذمم والضمائر، والاتكاء على أسوأ العقول والقلوب”.

مشاركة :