أول محاولة علمية للقضاء على الظلم الوراثي بقلم: حميد زناز

  • 3/26/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الفيلسوف البلجيكي يعتبر أن المذهب الإنساني أو الإنسانوية يؤمن بالتقدم الآتي عن طريق التقنيات المادية المطبقة على البيئة وعن طريق التقنيات الرمزية المطبقة على الأفراد.العرب حميد زناز [نُشر في 2017/03/26، العدد: 10583، ص(13)]جلبيرت هوتوا: العبر إنسانية نزعة رافقت ما يسمى نهاية التاريخ جيلبيرت هوتوا أكاديمي وفيلسوف بلجيكي مهتم بمسائل الإيتيقا والتقنو-علم، أستاذ في جامعة بروكسل الحرة وهو يشغل كرسي الفلسفية المعاصرة فيها منذ 1979. وهو عضو في قسم الآداب والعلوم الأخلاقية والسياسية في الأكاديمية الملكية في بلجيكا وكذلك في المعهد الدولي للفلسفة. وعضو في “لجان أخلاقيات” عديدة في أوروبا. وعضو في اللجنة المديرة للفيدرالية الدولية لجمعيات الفلسفة وفي فريق أخلاق العلوم والتكنولوجيات الجديدة. وأستاذ زائر في جامعات كثيرة في أميركا الشمالية والجنوبية وفي أفريقيا وأوروبا من بينها الكوليج دو فرانس الشهير بباريس سنة 2003. للباحث مؤلفات كثيرة من بينها: ما هي البيوتيقا؟ التقنو-علم والحكمة، فلسفة العلوم، فلسفة التقنيات، العلم بين قيم الحداثة ومابعد الحداثة، الكرامة واختلاف البشر، وآخر ما صدر له: العبر-إنسانية هل هي مذهب إنساني؟ كما أشرف على عديد المؤلفات الجماعية من بينها معجم وموسوعة البيوتيقا. ◄ العرب: إنسانوية، عبر إنسانية، مابعد إنسانية: ماذا تعني لك هذه الكلمات الثلاث؟ هوتوا: يحمل كل لفظ من الألفاظ الثلاثة مدلولات متعددة. قد تكون “الإنسانوية” دينية أو علمانية. فهي ذلك الفهم الذي يضع العنصر البشري في قلب نظرته للعالم مانحا له ميزات معينة يعتقد اعتقادا مطلقا أن الأحياء الأخرى لا يمكن أن تتميز بها أبدا كالوعي والحرية والحس الأخلاقي والعقل الكوني الخ. ويؤمن المذهب الإنساني أو الإنسانوية بالتقدم الآتي عن طريق التقنيات المادية المطبقة على البيئة وعن طريق التقنيات الرمزية المطبقة على الأفراد كالتربية والعلاقات الإنسانية والمؤسسات والأخلاق والحقوق الخ. أما مابعد الإنسانية فهي ذلك الاتجاه الناقد لهذا التصور الأسمى والكوني للإنسان، هي رفض لتصور الإنسانوية السابق الذكر، إذ يتميز الأفراد بالتنوع والاختلاف في رأي هذا الاتجاه، وهم بالتالي محكومون بشروط المجتمع وظروفه التاريخية واللاوعي وبعدد كبير من الحتميات البيولوجية. وغالبا ما يستعمل مصطلح مابعد الإنسانية كمرادف للعبرإنسانية بينما يعرف هذا الأخير نفسه كمناد ومشجع للتحسين الإرادي للفرد على المستوى المعرفي والجسدي والعاطفي إلى ما لا نهاية بواسطة التكنولوجيات المادية (علم الوراثة، الإلكترونيك، الكيمياء، التقنية العالية، والنانوتكنولوجيا والبيوتكنولوجيا وتكنولوجيات الإعلام والعلوم المعرفية.. الخ). ونظرا لزمن التطور الطويل (ألوف وملايين السنين) فيمكن لهذا التدخل التقني العلمي المستمر أن يؤدي إلى تغيير جزئي أو كلّي للنوع البشري وهكذا تبدو مابعد الإنسانية بهذا المعنى عبرإنسانية متطرفة. وعموما دعنا نقول إن العبرإنسانية هي حركة فلسفية وثقافية مهمومة بتشجيع تطوير تكنولوجيات بهدف تحسين قدرات الإنسان وتنمية نطاق تفتّحه وازدهاره.العبرإنسانيون ومابعد الإنسانيون يتحدثون عن تحسين الفرد البشري إلى ما لانهاية. والعبرإنسانية ليست غائية ولا طوباوية وهو ما يميزها عن ديانات كثيرة وأيديولوجيات حديثة أيضا استهدفت نهاية الأزمان أو نهاية التاريخ ◄ العرب: ما رأيك في العبارة العبرإنسانية الشهيرة: “من الحظ إلى الاختيار”؟ هوتوا: هي إشارة إلى كتاب صادر في أميركا من تأليف بوتشانان وأللي، والمقصود إجمالا هو: كي تكون هناك عدالة فعلية حقيقية في مجال الفرص بين الأفراد منذ ولادتهم فمن المستحسن أن نزيل على الأقل المعوقات ذات الأصل الوراثي بدل من محاولة تعويض ذلك الظلم الطبيعي إلى حدّ ما عن طريق تدابير اجتماعية فيما بعد. لتكون حقيقية ينبغي أن تتحول المساواة في الحقوق إلى مساواة فعلية. واختصارا، لا يجب أن نترك كل شيء لـ”اليانصيب” الوراثي (الحظ): من الضروري أن يكون الإنسان فرديا وجماعيا قادرا في حدود معينة، على اختيار قاعدته الجينية (الوراثية). ولكن ليس المقصود هنا تشجيع تحسين النسل التوتاليتاري التي قد ترتكبه الدولة كما أرادت أن تفعل النازية مثلا. ينبغي أن يبقى الاختيار أساسا وحصريا بين أيدي الأفراد. واختصارا تلخص العبارة ما جاء في الكتاب المذكور وهو تبرير وإعطاء الشرعية لتحسين الإنسان من وجهة نظر اجتماعية سياسية باسم العدالة والمساواة. ولا تواني المحاججة في الدفاع عن تحسين القدرات الإنسانية إلى مستوى يفوق ما هو موجود طبيعيا بشرط أن يكون ذلك في متناول الجميع. وفي قلب القيم العبرإنسانية نجد استقلالية الفرد، الحر في تغيير جسده إذ هو غير محدد في مورفولوجيا خاصة وطارئة. ◄ العرب: من الناحية الأيديولوجية، من أين يأتي العبرإنسانيون؟ هوتوا: العبرإنسانية خليط يتميّز على وجه الخصوص بعدم الوضوح على المستوى الأيديولوجي. كان رسلها الأوائل جوليان هكسلي وجون ديمون برنال وجون بردن هالدين بريطانيين اشتراكيين بل يمكن القول إنهم كانوا أقرب إلى الشيوعية. في الولايات المتحدة الأميركية ومع تفاؤلية ماكس مور العلمية على وجه الخصوص فرضت الفردانية الليبرالية نفسها بل ومعها حتى الاتجاه التحرري الفوضوي. مع مؤسسة الجمعية العبرإنسانية العالمية (تحت رئاسة بوستروم، بيرس ثم هوغس) حظيت الانشغالات الاجتماعية باهتمام أكبر ومستمر مما حدا بالجمعيات الوطنية (البرامج التقنية) إلى التقرب سياسيا أكثر إلى وسط اليسار. ◄ العرب: يرى البعض في مابعد الإنسانية والعبرإنسانية وكل ما جاورهما مجرد استمرار للحرب بين المثاليين والماديين بوسائل أخرى، ما هو تحليلك؟ مابعد الإنسانية هوتوا: تنتمي العبر-إنسانية إلى المادية إذا كنا نقصد بذلك أنها تعارض الثنائية والماهوية الروحانية. ولكن هي مادية لا تقدم تعريفا لجوهر المادة، لماهيتها. والمادة هي في آن جامدة وميكانيكية، جوهر وطاقة، حية وعفوية، مفكرة وواعية، صغيرة وكبيرة.. ومادية كهذه ليست اختزالية أو تبسيطية، هي بالعكس مكبرة، مضاعفة. ووسائل التكبير والمضاعفة هي التقنو-علوم وعلى الخصوص ما يسمى بـ”تكنولوجيات التلاقي” والمقصود هي النانوتكنولوجيا والبيوتكنولوجيا وتكنولوجيات الإعلام والعلوم المعرفية. وهذه العلوم هي التي تجعل نسبية تلك الاختلافات التي كانت توصف تقليديا بأنها غير قابلة للتجاوز بين المادة الخامدة، الحي، المفكر-التقني، فكل ما هو موجود يولد انطلاقا من “قماش العالم” المكوّن من الجسيمات الأولية وتفاعلاتها. ولكن هذا لا يعني إثباتا أنطولوجيا بقدر ما هي مسلمة تكنولوجية مفادها أن كل شيء يمكن التصرف به وربطه بغيره وتغييره وإعادة تنظيمه بما في ذلك الدماغ الواعي دعامة الشخصية البشرية. ◄ العرب: إنسان آلي، إنسان معزّز، طب مُزوّد.. هل هو السير المحتوم نحو نهاية النوع البشري التقليدي؟ هوتوا: يجب أن نحتاط من الإفراط في مسايرة ما يقترحه علم الخيال ومن التنبؤات الكارثية، قصيرة المدى. فالمقياس الزمني المناسب للتفكير في العبر ومابعد الإنسانية هو مقياس نظرية التطور الذي يحسب بآلاف وملايين السنين. كل ما نفكر فيه اليوم وننتظر وقوعه سيأخذ زمنا غير محدود وأطول مما يراه البعض وقد يخفق بشكل كبير وربما بشكل كامل. فالمستقبل مفتوح ومعتم في نفس الوقت. بطبيعة الحال ستكون هناك “تحسينات وزيادات” أنثروبولوجية تقنية وستصحبها العديد من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، ولكن نحن أبعد من نهاية النوع البشري كما نعرفه اليوم. ◄ العرب: ما هو في رأيك هدف العبرإنسانيون النهائي؟ هوتوا: يتحدث العبرإنسانيون ومابعد الإنسانيون عن تحسين الفرد البشري إلى ما لانهاية. والعبرإنسانية ليست غائية ولا طوباوية وهو ما يميزها عن ديانات كثيرة وأيديولوجيات حديثة أيضا استهدفت نهاية الأزمان أو نهاية التاريخ: حلول مدينة الله أو الوصول إلى مجتمع بدون طبقات. وهي أحلام كانت موجودة دائما غير بعيد عن المستقبل في رأي منتظريها. كاتب من الجزائر

مشاركة :