كثيراً ما تذمرنا بخصوص التبرعات المليارية التي تقدمها دولتنا الحبيبة للدول الفقيرة والمنكوبة، سواء تلك التي ذهبت لبناء مستشفيات أو لإصلاح الطرق أو لمساعدة المنكوبين في الكوارث الطبيعية أو الحروب. ودائماً ما كنا نردد بأننا مثل «عين عذاري» تسقي البعيد وتخلي القريب، حتى جاءتنا أمطار الخير في يوم الجمعة الماضي، لتكشف لنا عن المفاجأة الحكومية التي أبهرت العالم وأطلق عليها ناشطو التواصل الاجتماعي «نهر المنقف العظيم»!تقاطع المنقف والصباحية أو نفق المنقف ببساطة هو مشروع حكومي كلف خزينة الدولة 27 مليون دينار كويتي، ويعتبر من المشاريع المهمة لتطوير شبكة الطرق السريعة وتسهيل الحركة المرورية، إلا أن تلك الأمطار التي استمرت لساعات قليلة فقط حولته إلى ما يشبه النهر الذي لم يرحم تلك السيارات العابرة، فغاصت وقبعت في قاعه والحمدلله لعدم وجود خسائر في الأرواح.مثل هذه الأحداث تكشف لنا أن العلة ليست في عدم الانفاق الحكومي على المشاريع، ولكن المشكلة في عدم وجود رقابة ومحاسبة للجهات المسؤولة عن تنفيذ المشاريع، وبالتأكيد لن أتغاضى عن فكرة وجود شبهة للتنفيع والفساد في ترسية معظم المناقصات على بعض الشركات المنفذة!الحقيقة أن ما يهمني حول موضوع نفق المنقف، ليس انكشاف الفساد أو سوء الإدارة فقط، فالفساد والتنفيع وسوء الإدارة لم تعد أموراً خافية؛ بل أصبحت واضحة للجميع ولا نحتاج لغرق سيارات عدة في نفق حديث الانشاء كي نعلم بها.ولكن الأهم أن نفكر ونتساءل: مَنْ المتضرر من ذلك الفساد؟ هل السيارات التي غرقت ذلك اليوم كانت سيارات لمواطنين بالتأسيس أم مجنّسين؟هل فرّق المطر الذي كان من الممكن أن يحصد أرواح البشر ذلك اليوم، بين فلان السني وفلان الشيعي؟أم ان الحصى المتطاير بعد تلك الأمطار كان مخصصا لتهشيم زجاج سيارات «عيال داخل السور» واستثنى أبناء المناطق الخارجية؟كما أن المستفيد من ذلك الفساد ليس بالضرورة محسوباً على طائفة بعينها أو قبيلة أو عائلة معينة...نحن جميعاً متضررون من ذلك الفساد وكلنا سنغرق معاً بسبب سوء الإدارة، ومشكلتنا الرئيسية أننا بدلاً من مواجهة الفساد وسوء الإدارة اللذين سنعاني منهما أكثر وأكثر في السنوات المقبلة بسبب العجز وسياسة التقشف وما يرافقها من رفع الدعوم وارتفاع الأسعار وصعوبة العيش التي ستقضي تدريجياً على الطبقة المتوسطة في الكويت، ننشغل بدلاً عن ذلك في صراعات غير منطقية وغير واقعية مثل الطائفية والعنصرية... فتارة نلقي اللوم على الوافدين، وتارة أخرى نوجه أصابع الاتهام نحو مكوّن اجتماعي من مكونات المجتمع الكويتي وننسى أننا جميعاً مواطنون ليس للغالبية الساحقة منا مصلحة في استمرار ذلك الفساد.في الختام، علينا أن نستوعب ونعي أن ما نحن مقبلون عليه من عجز في موازنة الدولة ومن عواقب وخيمة للفساد وسوء الإدارة سينعكس علينا جميعاً، وأن الانشغال في ضرب بعضنا البعض لن يؤدي إلا إلى مزيد من التفرقة واستمرار لقوى الفساد في مشروعها لنهب الدولة. لذلك علينا أن نستنكر ما يطرح من قضايا تثير التعصب العنصري والطائفي، فكلنا مواطنون كويتيون لا فرق بيننا في الحقوق والواجبات، ولن تُستثنى فئة على أخرى من أضرار الفساد وسوء الإدارة!dr.hamad.alansari@gmail.comtwitter: @h_alansari
مشاركة :