الأمية ليست جهلاً مطلقاً، فكم أمي يقود أمة إلى النور، وكم متعلِّم جاهل يهوي بها في غياهب الظلام، لأن عدم المعرفة بالشيء جهل غير ضار، أما امتلاك المعرفة الخاطئة فهو جهل مركّب يضر بـأصحابه مستقبلاً، فيخلق فيهم انكسارات وتشظيات عند معرفة الحقائق مجردة من كل زيف، والواثقون من أنفسهم يشقّون طريقهم بثبات في الحياة، والمنكسرون الأقوياء يستطيعون فعل كل شيء لاستعادة توازنهم وتضميد جراحهم ولملمة شظاياهم، ويصرون على عودتهم إلى السطح بكل بسالة وقوة، والخروج من الأزمات بشيء مرضٍ -على الأقل- لأطفالهم الذين يمثلون المستقبل، حتى يستقيم عودهم، وتنضج عقولهم، وعندها سيفكرون بطريقتهم الخاصة على الرغم من كل الأخطاء التي ارتكبت في حقهم. وفي عالم البشر – مع الأسف – هناك من يمتهن التلميع الذاتي من أجل الحصول على مزايا شخصية تضعه في دائرة الضوء لا لشيء إلا لمركب النقص الذي يعيشه داخلياً وهم كثر، فمثل هؤلاء المأزومين في مجتمعاتنا يجب عدم نصحهم أو الاقتراب منهم، أو مناقشتهم في أمور خاصة بقناعاتهم، لأنهم سيثورون وسيسفّهون أحلامك وسيتآمرون ضدك، فدعهم يخوضوا ويلعبوا حتى تجف عقولهم من خبايا الأمس. وهناك من يربي أطفاله الأبرياء على معلومات مغلوطة فيكبر الأطفال وتكبر معهم المعلومة الخاطئة حتى يصدقون أنفسهم بما تربى عليه عقلهم وفكرهم ويصرون على تأكيد صحة ما عشش في أذهانهم من معلومات خاطئة دون أن يكلفون أنفسهم عناء البحث عن توثيق لهذه المعلومة أو تلك، لإيمانهم المطلق بما أملى عليهم، ولهذا تكون صدمتهم كبيرة جداً عندما يسمعون أو يقرأون شيئاً يخالف ما تربوا عليه، فيصرخون عالياً وتثور ثائرتهم، ولا تهدأ ثورتهم حتى بعد بحثهم عن الحقيقة وحصولهم عليها واقتناعهم بخطأ ما أملى عليهم، لكنهم سيستمرون في مكابرة عجيبة وهم موقنون في قرار أنفسهم أن ما سمعوه أو قرأوه هو عين الحقيقة، ولن يستسلموا أبداً، بل يسعون جاهدين بعد قناعتهم إلى تغيير التكتيك القديم وتجاوزه بتكتيك حديث أكثر خطراً مما سبق، وسيعطون أطفالهم جرعة جديدة من معلومات أخرى مغلوطة تسير في نفس التوجه القديم، ولكن بطريقة حديثة يظهر خطأها الكبير، وخطرها العميق، عند الوصول إلى منطقة استوائية يستنشقون فيها أرواحهم، ويعلقون عليها خيبتهم، ويظنون أنهم يحسنون صنعاً في بناء مفاهيم الجيل التالي دون حساب للعواقب الوخيمة التي قد تأتي أكثر وجعاً وأكثر إيلاماً مما تلقاه جيلهم من ألم وانكسار، وسيأتي الصراخ كبيراً لأن الألم في المراحل المتأخرة يكون شديداً، كما يقول علماء النفس (الصراخ على قدر الألم)، فالحذر من الكذب على الأطفال، والحذر من تلقينهم بمعلومات خاطئة ترسخ في أذهانهم وتكبر معهم حتى لا يتعرضون للانكسار في فترة ما من حياتهم، عندما تفاجئهم الحقائق المرة ذات يوم فيتجرعون مرارة الانكسار والخيبة.
مشاركة :