يبدو مطلب الوثائقيات الإعلامية في زمن الحرب لجهة الجودة من نقاء الصورة والصوت وجمالية الكادر مطلبا حالما وغير واقعي بسبب الأجواء العاصفة التي تعصف بفريق العمل في أثناء التصوير.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/03/28، العدد: 10585، ص(18)] عصفت الحروب بالبشرية وخلفت وراءها الملايين من الضحايا، لكن ما الذي بقي منها؟ واقعيا لم يبق سوى القصص الوثائقية والذكريات الأليمة. الحال نفسه يتكرر بتغيّر الأزمنة والأماكن، فحيثما وُجدت الصراعات ووُجِد الضّحايا وُجِد الصوت الآخر الذي يقدّم الفجيعة مجسّمة وبكامل أبعادها إلى الرأي العام . خلال ذلك قدّمت الصراعات الأكثر قسوة صورا أيقونية بقيَت عالقة في الذاكرة كمثل إلقاء القنبلة الذريّة على هيروشيما وناغازاكي ومثل الأطفال العراة الذين تلاحقهم قنابل النابالم في حرب فيتنام ومثل أمّهات ضحايا المجازر الجماعية في حرب البوسنة ومثل الصورة الراسخة للشهيد محمّد الدّرة الفلسطيني، شهيد الانتفاضة وصور العبور في حرب أكتوبر وعلامات فارقة في حروب أخرى عديدة. لكنّ هذا العالم لم يهدأ يوما والصراعات جزء من دورة الحياة، دائما كان هنالك مشرّدون ونازحون وضحايا ومقابر جماعية وموت وفجيعة لكنّ ذلك ليس كافٍيا إذ السؤال هو عن الوثائقيات الإعلامية الرصينة والقادرة على أن تبقى بمثابة قراءة صادمة موازية لما جرى فضلا عن كونها شهادة ووثيقة للأجيال عبر الزمن. صوت الإعلامي والصحافي الذي يستخدم الكاميرا في التوثيق فضلا عن القلم هو الذي تبحث عنه الأجيال التي تطلب الحقيقة: من الجلاد ومن الضحيّة؟ تلك هي خلاصات الحروب ومخرجاتها والسؤال الأزلي الذي لا يكاد يفارق ذاكرة الجيل في مقابل عجز عن الإتيان بمحصلات ذات قيمة ترتقي إلى مستوى التضحيات والخسائر القاسية. الوثائقيات الإعلامية ليست حاجة كمالية ولا مطلبا هامشيا خاصة في أزمنة الصراعات والحروب، هي العين الشاهدة على ما جرى من وقائع، والتي تعمّق من الوعي الجمعي عمّا جرى من أحداث. منذ ما عُرِف بثورات الربيع العربي والتضحيات تتفاقم والخسائر لا تكاد تُحصى في العديد من السّاحات العربيّة، في هذه المرّة كما لم يحدث في أي صراعات مماثلة تدرّجت الوثائقيات من استخدام كاميرا الهاتف المحمول وصولا إلى أحدث التقنيات الرقميّة في ظاهرة فريدة وملفتة للنظر. وفي الكثير من الأحيان كانت الفضائيات في أمسّ الحاجة إلى وثائقيّات حيّة من موقع الحدث، ولما وجدت نفسها عاجزة بسبب عدم وجود طواقم مراسلين هناك وجدت في تسجيلات بواسطة كاميرا الهاتف المحمول بديلا، تجاوزت الفضائيات المحدّدات التي تشترط جودة الصورة وقدّمت صورا مشوشة، غير مستقرة مختلطة الألوان لكنها في المحصلة النهائية قدمت وأوصلت الرسالة. الوثائقيات الإعلامية هي نوع قائم بذاته يستند إلى أسس وقواعد الصورة الوثائقية وبنائها الجمالي والتعبيري لكنها بسبب اندماجها بعالم الأخبار والأحداث فقدت تلك الجمالية وصارت صوتا هو بمثابة الشاهد الأعزل المجرّد أكثر من كونها وثيقة مؤثرة مضمونا وجماليا، تتوفر فيها جميع عناصر الوثائقيات الناضجة والمؤثرة. ربما يبدو مطلب الوثائقيات الإعلامية في زمن الحرب لجهة الجودة من نقاء الصورة والصوت وجمالية الكادر مطلبا حالما وغير واقعي بسبب الأجواء العاصفة التي تعصف بفريق العمل في أثناء التصوير لكنّ فريق العمل نفسه سوف يتأسف بعد زمن أنه لم يول تلك الأحداث العاصفة ما تستحقه من توثيق احترافي وقام بدلا عن ذلك بتقديم سيل من الصور تدفقت في المهب وضاعت وسط استمرار الصراعات ودوران الكاميرات. كاتب من العراق طاهر علوان
مشاركة :