مستقبل غامض ومرتبك للمدارس القرآنية في الجزائر

  • 3/29/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر - خلّف مقترح وزارة التعليم الجزائرية بإلحاق المدارس القرآنية بأجهزتها وتحويلها إلى مدارس تحضيرية قبل مرحلة التعليم الابتدائي ردود فعل رافضة في الوسط الديني والتربوي ولدى فئات المجتمع رغم نفي السلطات نيتها إغلاقها. وقالت وسائل الإعلام الجزائرية أوائل مارس/آذار، أنّ وزارة التربية الوطنية وجهت تعليمة وصفت بـ"السرّية" تأمر ملحقاتها بإحصاء عدد المتعلمين (الأطفال) المسجلين بالمدارس القرآنية الموجودة بالمؤسسات التابعة للمساجد. وذلك بالتنسيق مع مصالح مديريات الشؤون الدينية قصد تحويلهم إلى المدارس العمومية. وسيكون ذلك بفتح أقسام خاصة بالتربية التحضيرية. وكشفت مراسلة رسمية لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أنّ وزير القطاع الجزائري محمد عيسى، شرع في عملية إحصاء المدارس القرآنية وتحويلها إلى وزارة التربية الوطنية. وحملت المراسلة طلبًا لمديري الشؤون الدينية عبر المحافظات لإحصاء المدارس القرآنية (التعليم التحضيري ما قبل التمدرس) لدمجها في وزارة التربية. وكانت وزيرة التربية نورية بن غبريط، أكدّت في تصريح صحفي، أنّ لجنة مشتركة بين وزارتي التربية الوطنية والشؤون الدينية والأوقاف تحضّر لإعداد دفتر شروط خاص بهذه المدارس ودليل للأساتذة لجعل هذه المدارس مدارس تحضيرية. والمدارس القرآنية ملحقات أو مراكز تابعة لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف، تقع داخل المساجد أو بمحيطها، يتم بناؤها على أراضٍ وقفية، ويؤطرها معلمون حفظة للقرآن كاملا (60 حزبا). ويبلغ عدد المدارس القرآنية في الجزائر حسب ما ذكره الموقع الالكتروني لوزارة الشؤون الدينية، ألفين و360 مدرسة، موزعة على 48 محافظة بالبلاد. وحسب المستشار السابق بوزارة الشؤون الدينية عدة فلاحي، فإنّ تاريخها يعود إلى العهد الاستعماري بالجزائر (1830-1962)، حيث انتشرت تحت إشراف جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بهدف التربية والتعليم وصد الحملات التغريبية الاستعمارية، وبعد الاستقلال أصبحت تابعة لوزارة الشؤون الدينية، مع بقاء بعضها تسيّره جمعية العلماء المسلمين. وأوضح فلاحي أنّ مرتاديها هم طلبة المدارس الإبتدائية والمتوسطة والثانوي، وتفتح في فترات خارج الدراسة ونهاية الأسبوع أو في العطل بالنسبة للمتمدرسين. أمّا بالنسبة لغير المتمدرسين فتفتح أبوابها لهم حسب أوقات يتفق عليها أهل الحي. وطالبت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (أكبر تجمع إسلامي في البلاد) وزيرة التربية بتقديم توضيحات أكثر حول ما وصفته بـ"تفريغ المدارس القرآنية" من التلاميذ، في إشارة منها إلى سعي وزرة التربية بالتنسيق مع وزارة الشؤون الدينية تحويل المدارس القرآنية إلى مدارس تحضيرية. وقالت جمعية العلماء في بيان نشرته على صفحتها بفيسبوك في الـ10 مارس/اذار، ردّا على وزارة التربية إنّها "ستتخذ موقفا مناسبا بما يخدم مصلحة الدين والوطن". وأكدّت الجمعية في بيانها أنّها متمسكة بهذه المدارس وتعتبرها من أبرز مكاسب الشعب والوطن، وواجب على الصعيدين المادي والمعنوي. واعتبرت جمعية العلماء ما أقدمت عليه وزارتا التربية الوطنية والشؤون الدينية بالأمر الخطير. وتملك جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أقساما لتعليم القرآن في أغلب مقراتها بمختلف محافظات الوطن. وعقب هذه الضجة سارعت وزارتا التربية الوطنية والشؤون الدينية والأوقاف إلى نفي ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية. وفنّدت وزيرة التعليم بن غبريط، في 10 مارس/اذار، على هامش افتتاح الدورة التكوينية لفائدة أساتذة اللغة الإيطالية بالجزائر العاصمة، قرار غلق المدارس القرآنية (الكتاتيب) وإلحاقها بمدارس للتعيلم التحضيري العمومية. وأوضحت الوزيرة أنّ مقترح وزارتها يعد مجرد إبداء رأي بشأن نوعية التعليم الذي تقدمه هذه المؤسسات المتمثلة في المدارس القرآنية، وأن الموضوع ما يزال محل نقاش مع وزارة الشؤون الدينية. وذكرت المتحدثة أن قطاعها هو من يتكفل بالتعليم التحضيري، على مستوى إعداد البرامج، إلى جانب مساهمة قطاعات وزارية أخرى في تخصيص فضاءات لاستقبال الأطفال وتحضيرهم للالتحاق بالمدرسة. وزارة الشؤون الدينية ترفض مقترحات وزارة التربية من جهته، فنّد وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري محمد عيسى ما راج حول تحويل أو غلق المدارس القرآنية. وأكدّ عيسى عدم وجود أي نية من الدولة في التنازل عن التعليم القرآني. وخلال إشرافه على الملتقى الدولي حول التصوف: "تعزيز الوسطية في الفكر الديني والحياة العامة"، في 20 مارس/اذار، بمحافظة غليزان (غرب)، أوضح الوزير أن الدولة لا تفكر على الإطلاق في التنازل على التعليم القرآني وفق قوانين الجمهورية الواضحة". ونفى في السياق أن تكون وزارته وافقت على تحويل أو غلق المدارس القرآنية أو تنوي التخلي عليها. وقال: "ما لم تقله وسائل الإعلام بكل أنواعها هو العمل بالكتاب المدرسي، حيث سيخضع المتطوعون للتدريس بالمدارس القرآنية، إلى تكوين يجعلهم في مستوى المهام، وسيتم إدماج هؤلاء في مختلف أنواع التوظيف". وشدد، على هامش الملتقى بأنه لن يسمح لأي كان أن يتجرأ على المدارس القرآنية التي اعتبرها مكسب للقطاع الديني والذي قام الاستعمار الفرنسي بكل ما في وسعه لطمسها. وأشار المتحدث أنّ وزارته راسلت كتابيا وزارة الترية الوطنية، وردت على اللجنة المكلفة بدراسة ملف الأقسام التحضيرية التي تفكر وزارة التربية، بـ"الرفض". ولفت إلى أنّ وزارته انسحبت من اللجنة بسبب عدم تطابق الرؤى، وأيضا الاشتراطات التي فرضتها الوزارة بشأن تحويل المدارس القرآنية لأقسام تحضيرية، كالجدول الزمني الذي حددته اللجنة بتخصيص 18 ساعة أسبوعيا لتدريس التلاميذ مواد علمية بحيث لم تترك مجالا له لدراسة التعليم القرآني. ويشير المستشار السابق لوزارة الشؤون الدينية عدة فلاحي، إلى أنّه لا ينظر إلى إجراءات وزارتا التربية الوطنية والشؤون الدينية والأوقاف بنظرة إجرائية بسيطة، عكس البعض الذي قدم تفسيرات إجرائية محضة وكأنّ هناك نزاع بين الوزارتين فيمن له صلاحية على مدارس القرآنية. وأوضح فلاحي، أنّه يرى القضية بشكل أعمق على مستوى السلطة. وقال: "ربما هي محاولة استباقية خشية أن تتحول هذه المدارس إلى سلطة موازية للسلطة الرسمية". وتابع: "محاولة غلقها أو تجفيف منابع هذه المدارس حتى لا تشكل خطر على السلطة، أو تكون سلطة موازية لها". وافاد ان "السلطة الرسمية تتحرك في هذا الإطار لتكون عينها على هذه المدارس القرآنية وليس من الباب البيداغوجي فقط". ولم يُخفِ المتحدث أنّ التعاون بين الوزارتين ضروري لأنّ المسألة مشتركة لكن ما يلّح عليه هو أنّ حفظ القرآن الكريم يبقى قاعدة ثابتة لا يجدر المساس بها. ولفت إلى أنّ الجانب البيداغوجي مطلوب مراقبته من وزارة التربية حتى لا ينساق التلاميذ وراء التيار السلفي، الذي أصبح يهيمن على بعض المدارس القرآنية، في حين يبقى تحفيظ القرآن مطلبا شعبيا في مختلف المستويات التعليمية قبل الجامعة. وعن هذه القضية يؤكد الإعلامي الجزائري المختص في شؤون التعليم، عبدالحفيظ سجال، أنّ الإشكالية لا تتعلق في الهيئة أو الوزارة التي تتولى إدارة المدارس القرآنية لأنّ الوزاراتان تنتميان لنفس الحكومة. ويقول سجال، "المشكل أنّ كل وزير ربما رغب أن يُسقط إيديولوجيته على المدارس القرآنية، فوزيرة التربية معروفة بنظرتها التغريبية التي إن طبقتها على المدارس القرآنية يمكن تحويل الهدف الذي أسست من أجله هذه المدارس التي مولت بأموال المواطنين". ويرى المتحدث أنّ يجب عدم نزع البعد الروحي لهذه المؤسسات مع بقاء مساهمة المواطنين لها، كما لا يجب إنكار أن بعض المدارس القرآنية تسير بطريقة فوضوية وتعاني من سوء التسيير، وبرامجها غير معروفة، فضلا عن خطر التيارات الطائفية. نشطاء العالم الأزرق ينتفضون ضد إلحاق المدارس القرآنية بوزارة التعليم من جهتهم، انتقد نشطاء على موقع "فيسبوك"، مقترح وزارة التربية الوطنية، حيث قال المدون المعروف في الجزائر معمر بودالي، في صفحته بـ"فيسبوك": "الإجهاز على المدارس القرآنية قرار اتخذ ليشمل الدول العربية قاطبة، مثله مثل برامج التربية والتعليم التي يجب أن تتطابق مع تعليمات الرأس المدبرة". ومضى قائلا: ".. ما يحدث عندنا حدث مع تونس والمغرب وفي مصر وليبيا، وحاليا سيعم كامل المنطقة". وعلق ناشط أخر يدعى أحمد لجروم، "إن أجدادي حافظوا على تعليم القرآن أيام الاستدمار الفرنسي تحت الشجر.. لي صديق حفظ القرآن عند معلم أقلّ سنّا منه في الكتاتيب بعد أن تجاوز عمره 42 سنة، ثم تعلم أحكام التلاوة عند معلم عمره 25 سنة، وصار معلما متطوعا في الكتاتيب".

مشاركة :