"نزاهة".. بداية واعدة وواقع مرتبك ومستقبل غامض

  • 4/4/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

الرشوة والمتاجرة بالنفوذ، إساءة استعمال السلطة، الإثراء غير المشروع، التلاعب بالمال العام واختلاسه، غسل الأموال، الجرائم المحاسبية، التزوير، تزييف العملة، الغش التجاري... إلخ.
كلها جرائم وحوادث شبه يومية في المملكة، تبحث عن جهة رقابية قوية لها هيبة تستطيع محاربة هذا الكم الهائل من المخالفات.
وعلى الرغم من الدعم الرسمي والتوجيهات الملكية، فإن الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" أثبتت عدم قدرتها على الحد من الفساد المستشري في أجهزة وكيان الدولة، وكشفت عجز عميق لديها في أداء دورها الذي أنشئت من أجله. وفي التقرير التالي، تحاول "عاجل" تقييم أداء الهيئة وما أنجزته خلال قرابة 6 سنوات منذ إنشائها وحتى الآن.
هيئة بلا هيبة
تأسست الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "نزاهة" للتصدي للفساد المستشري في جسم الدولة، منذ نحو 6 أعوام، بتوجيه شخصي من الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله.
ومنذ ذلك الحين، تنفذ "نزاهة" جولات ميدانية إلى الجهات الحكومية، وفي أكثر من مناسبة عبرت عن عدم رضاها عن تجاوب المؤسسات الحكومية معها، معتبرةً أنها لا تصل إلى المستوى المطلوب.
إلا أن التجربة أثبتت أن "نزاهة" لا تتمتع بأي هيبة لدى مؤسسات الحكومية؛ ففي كثير من الحالات، تتجاهل أجهزة الحكومة الرد على استفسارات "نزاهة". وفي ظل الشكاوى المتكررة، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في عام 2015، بأن تلتزم الجهات التي يشملها اختصاص "نزاهة" بالرد على استفساراتها خلال مدة أقصاها 30 يوما من تاريخ إبلاغها الاستفسارات والملحوظات. وبالنسبة إلى الاستفسارات العاجلة جدا والمهمة وذات الطابع المُلِح، يكون الرد عليها خلال 5 أيام فقط.
مراقبون: ميتة إكلينيكيا
ويرى مراقبون أن "نزاهة" باتت أشبه بكيان "ميت إكلينيكيا"، بعد مرور كل هذه السنوات، لا تزال مجرد جهة غامضة وغريبة، وجودها مبهم، وأداؤها مرتبك.
فهذه المؤسسة المنوط بها ملاحقة الفاسدين، لم تعلن يوما عن إحالة مؤسسة أو مسؤول إلى المحاكمة بتهمة الفساد، وهو ما أفقدها الثقة لدى المواطنين الذين باتوا غير راضين عن أدائها المثير للدهشة، وجعلها هدفا لسهام الانتقاد الدائم.
إضافة إلى ذلك، فإن برامجها التوعوية وخططها الإعلامية ضعيفة جدا، ولا تكشف عادة عن محصلة نتائج عملها، فيما يتعرض المسؤولون عن المركز الإعلامي الخاص بها لانتقادات دائمة؛ بسبب تجريده من أي صلاحيات تمكنه من الرد على وسائل الإعلام؛ ما يضطره إلى الرجوع إلى مسؤولي الهيئة في كل كبيرة وصغيرة.
حسابات تويتر أقوى
وطالت الهيئة انتقادات كبيرة حول نهجها في التعامل مع وسائل الإعلام؛ حيث يرى البعض أن العلاقة مع الإعلام يشوبه شيء من الفتور؛ بسبب الآلية التي تتبعها مع تلك الوسائل التي تتصف بالبيروقراطية والمركزية.
فيما يؤكد مراقبون أن هناك حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" فعالة وتقوم بدور رقابي في كشف الفساد أقوى بكثير من دور نزاهة في فضح المتلاعبين والمتورطين في أعمال غير مشروعة في المملكة.
وحسب استطلاع رأي أجرته الهيئة على موقعها الإلكتروني لاستقصاء مدى رضا المواطنين عن الإجراءات الآلية التي تتبعها في استقبال البلاغات، ظهر أن النسبة الكبرى من المشاركين غير راضين عن إجراءات الهيئة المتبعة في استقبال البلاغات.
نهاية قبل البداية
وفي الآونة الأخيرة، زادت الانتقادات التي طالت الأجهزة الرقابية في السعودية عامةً، ونالت نزاهة خاصةً النصيب الأكبر من هذا الانتقاد، ليصفها البعض بالترهل والوقوع في فخ البيروقراطية حتى أعلنوها صريحةً أنها انتهت قبل أن تبدأ، وماتت إكلينيكيا، بعدما باتت تعاني من المشكلات والأمراض الإدارية التي من المفترض أن تعالجها في المؤسسات الحكومية.
ويرى سعوديون أن تلك الأجهزة فشلت في تحقيق الغاية المرجوة منها، ليغيب دور الرقابة الحكومية الفعلي في مكافحة الفساد في بعض المؤسسات.
وعود غير مطبقة
وسبق أن وجه أعضاء في لجنة حقوق الإنسان والهيئات الرقابية في مجلس الشورى، في فبراير الماضي، انتقادات إلى آلية عمل "نزاهة"، معتبرين أن الفساد زاد بعد إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأن الهيئة أعطيت صلاحيات واسعة امتدت إلى عبارة "محاسبة كائن من كان"، إلا أنها لم تعمل بالشكل المطلوب.
وسبق لـ"نزاهة" أن رفعت إلى القيادة تقارير عدّة، حول تجاهل وزارات لاستفساراتها وتقصيرها في أعمالها، ولم يتم، لاحقا، الإعلان عما آلت إليه تلك التقارير، رغم حماسة "نزاهة" في بداية انطلاق أعمالها بمكافحة الفساد، سواء ارتبط برؤوس كبيرة أم صغيرة، كما كانت قد أعلنت إخضاع الوزراء والمديرين ومسؤولي الدولة لإقرار ذمة مالية، وجميع ذلك لم يحدث.
تضارب المصالح
وتكمن الإشكالية الكبرى في أن نزاهة لم تلتفت إلى مشكلاتها الإدارية وإلى تطوير عملها الرقابي، ودخلت في فخ تضارب المصالح مع الجهات الحكومية المشمولة برقابتها؛ فهي تسعى فقط إلى مزيد من الحوافز الإدارية والمالية، بالإضافة إلى التنصل من مسؤوليتها الرقابية بسبب فشلها في تحقيق الأهداف المطلوبة منها.
فتارةً نسمع عن مطالبات بالاستقلالية، وتارةً أخرى عن مطالبات بالاندماج مع هيئات رقابية أخرى تمتاز بارتفاع رواتب منسوبيها.. كل هذا فقط من أجل الحوافز المالية، دون التركيز على العمل والهدف الأساسي.
مستقبل غامض وأمام هذا الوضع المرتبك، بات مستقبل نزاهة غامضا وغير مبشر، وملبدا بغيوم كثيرة، توحي بأن عمرها بات قصيرا، وأن إعلان وفاتها أصبح أمرا حتميا؛ من أجل إتاحة الفرصة لوليد جديد، يستطيع تلافي أخطاء الهيئة التي فشلت في تحقيق أهدافها، ويتمكن من إنجاز المهمة الصعبة التي انتظر السعوديون إنجازها لسنوات، وهو ما سوف ينعكس إيجابيا على مختلف قطاعات ومجالات الحياة داخل المملكة؛ فدائما هناك ارتباط شرطي بين الفساد وتدهور الأوضاع الاقتصادية في أي من بلدان العالم.

مشاركة :