خلال السنوات العشر الماضية، بدأت تلوح في الأفق الاجتماعي بالمملكة ملامح ثقافية ترتبط توجهاتها ورؤاها بالمستقبل أكثر من ارتباطها بالماضي. هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها أو التغاضي عن مفاعيلها في المشهد برمته. لكن ما الذي يحدوني إلى مثل هذا القول فيما يخص ماضي الثقافة ومستقبلها بالمملكة؟. الجيل الحالي من الشباب السعودي هو جيل ثقافة الآيباد والآيفون والجالكسي وأنظمة التواصل الاجتماعي والمعلومة المعولمة. هو جيل الثقافة البصرية التي ترتكز على لغة عالمية، تتخطى فيها حواجز التواصل اللغوي بين البشر، وتمنح الإنسان نفسه فرصة التواصل والحوار أفقيا مع أناس مختلفين معه في العرق والجنس والهوية والثقافة. وليس غريبا، والحال هذه، أن يولد عند هؤلاء الشباب وعي بالحياة وبأنفسهم من خلال هذه الوسائط، وهذا معناه أن الذاكرة الثقافية التي أنتجها ماضي بلادهم لم تعد تثقل كواهلهم، ولم تعد تضغط على فهمهم للحياة وكيفية تدبير سلوكهم فيها، وما أعنيه هنا بالذاكرة الثقافية هي منظومة القيم والسلوك المتوارثة تقليديا المتصلة بتلقي المعارف واستقبالها بين الأجيال. لذلك هذا الوعي بالحياة وبأنفسهم، وعبر هذه الوسائط، خلق لهم مساحات شاسعة في التعبير عن ذواتهم بعيدا عن ذلك التعبير الذي في الغالب لا يعكس المضمون الحقيقي عن ذواتهم، كما هو الحال في الكثير من التوجهات عند الأجيال السابقة، وهذا هو الفرق بين ماضي الثقافة ومستقبلها كما أشرنا سابقا. أقول هذا الكلام وأنا أتابع بشغف لحظة افتتاح «مهرجان الأفلام السعودية» في دورته الرابعة مساء الاثنين الماضي برعاية كريمة من وزارة الثقافة ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي بأرامكو. وإذا كانت الجمعية العربية للثقافة والفنون فرع الدمام هي عراب هذا الانجاز بقيادة رئيس فرعها الصديق أحمد الملا فإن الحقيقة الماثلة أمامنا التي لا يطالها الشك، مهما اختلفنا في الرؤى والتوجهات، هي أن هذا المنجز الذي صنعه أحمد ورفاقه يمثل القدرة على رفع مؤسساتنا الثقافية إلى مستوى تُصنع فيه ثقافة المستقبل. وما يدلل أكثر على بدء تبلور هذه الصناعة، ليس فقط ما يتصل بالإقبال المتزايد على صناعة الأفلام وإنتاجها وإخراجها وكثرة المبدعين من كتابها وممثليها، بل ما يفرزه هذا الإقبال من شروط اندماجية تسهل على جيل الشباب الانخراط في ثقافة العالم باعتبار أن السينما لغة العصر العالمية ثقافيا وجماليا. وما يفرح أكثر أن أرى كلا الجنسين من شبابنا السعودي يشاركون بفعالية كبيرة في عملية الاندماج تلك. ويساهمون أكثر في إزاحة الكثير من الصور النمطية التي ترسخت في الخارج عن المملكة وعن توجهات شعبها، من خلال صناعة الفيلم. وربما جاءت الدورة الرابعة لمهرجان الأفلام دليلا إضافيا على ما تتسم به هذه الصناعة من احتواء جميع طاقات الشباب، من جميع الفئات العمرية، ومن مختلف التوجهات، وصهرها بالتالي في عمل جمالي، كنا نفتقده تماما في تلك الأيام الخوالي.
مشاركة :