نظرات العيون لغة حميمية تفقد بلاغتها بين الناس بقلم: يمينة حمدي

  • 3/30/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

نظرات العيون لغة حميمية تفقد بلاغتها بين الناسالعين نافذة العقل وما يدور فيه، فهي تقدم معلومات اجتماعية عن الأشخاص، وتساهم في تقارب الناس وتحاببهم، ولكن التحديق المبالغ فيه إلى أجساد الآخرين يثير الريبة ويقوض الثقة.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/03/30، العدد: 10587، ص(21)]نظرة تختزل الآلاف من الكلمات يقول الأديب الأميركي ويليام هنري “العيون تهتف بما تخشى الشفاه أن تتفوه به”، إلا أن الكثيرين ينتابهم شعور بالضيق وعدم الراحة النفسية عندما يحدق أحدهم في وجوههم أثناء الحديث معهم، فيشيحون بأبصارهم بعيدا عنه، وقد لا يكتفون بذلك، بل يؤولون تلك النظرات بعكس دلالتها، ويبغضونها وينزلونها منزلة الحسد والحقد والوقاحة، وقد يأخذون في بعض الأحيان انطباعا سيئا عن صاحبها. وشدد علماء النفس على أهمية تبادل نظرات العيون أثناء التحاور، مؤكدين أنها ليست مجرد إشارات جسدية عرضية، بل هي لغة بليغة في التعبير عن المشاعر، ونظرا إلى أنها تعكس دلالات مهمة لبناء الثقة وتوطيد العلاقات بين الناس. ووصف بعض العلماء العين بأنها نافذة العقل وما يدور فيه، مرجحين أنه إذا استطاع الإنسان فك رموز نظراتها، فإنه سيتمكن من معرفة ما يدور في خلد الآخرين ويكشف خباياهم. ويرى جون أموديو الباحث الأميركي في علم النفس أن متابعة الناس والحكم على شخصياتهم بطريقة أكثر انفتاحا وباستخدام العيون، يجعلاننا لا نركز فقط على السلبيات فيهم، بل يتيحان لنا الفرصة لاكتشاف شخصياتهم، وتوطيد علاقتنا معهم، إلا أنه يحذر في نفس الوقت من التحديق المبالغ فيه في وجوه الناس وأماكن معينة من أجسادهم، بشكل يجعلهم يشعرون بالريبة. والعام الماضي أطلقت منظمة العفو الدولية فيديو سمته “أنظر ما وراء الحدود”، وهو عبارة عن تجربة مرئية أرادت من خلالها المنظمة كسر الحواجز بين اللاجئين والأوروبيين عن طريق التواصل النظري لمدة أربع دقائق متواصلة. وتعمّد مخرج الفيديو إجلاس لاجئين من سوريا والصومال مقابل أشخاص من بلجيكا وإيطاليا وألمانيا وبولندة وبريطانيا، لمعرفة مدى التقارب بين الطرفين، وبعد انتهاء التجربة شعر الجميع بصلة عاطفية، رغم أنهم لم يسبق لهم أن التقوا من قبل. صحيفة “العرب” استطلعت آراء بعض الأشخاص من دول عربية، لمعرفة وجهات نظرهم في لغة العيون ومكانتها بينهم، وفي الأوساط الاجتماعية التي يعيشون فيها. تقول فتحية اليعقوبي من تونس “أقوال الناس لا تشبه في بعض الأحيان ما تبوح به نظراتهم، وأعتقد أن مقولة ‘العين مرآة النفس” صادقة إلى أبعد الحدود، فإن أردنا معرفة مدى صدق نوايا الآخرين، فما علينا سوى النظر إلى عيونهم لاكتشاف مدى صدقهم أو خداعهم”.يوسف إيهاب: النظر إلى عيني محدثي يساعدني على بناء رابطة قوية معه وأشارت اليعقوبي في تصريحها لـ“العرب” إلى أن نظرات المرأة في عيون محدثها، وخاصة إذا كان رجلا يتم تأويلها سلبا، وتقابل في بعض المجتمعات الذكورية بالكثير من التجني عليها، وكل ذلك من وجهة نظرها بسبب النظرة الدونية إلى جنسها، على عكس الرجل الذي ترى أنه مهما كانت لديه نوايا مبطنة أو نظرات مغرضة، فإنه لا يلام ولا تلحق به أي تهمة أخلاقية كما هو الشأن بالنسبة للمرأة. فيما أكدت ابنة بلدها سامية ماني العيوني أنها لا تمانع أبدا في النظر في عيون المتحدث، لأن ذلك من شأنه أن يكشف لها مدى اهتمامه بما تقوله، ويمكنها من معرفة شعوره الخفي في تلك اللحظة. وأوضحت العيوني أن النظر في عيون الآخرين أثناء التحاور معهم يساعدها على التواصل معهم بأريحية، ويزيدها ثقة في نفسها ويكسب حديثها أهمية لديهم. وترى هنادي شاكر من مصر أن النظر إلى وجه المتحدث يعكس مدى الاهتمام به، مؤكدة أن تبادل النظرات بين طرفي الحديث يعطي لحديثهما معنى ويكشف عن أحاسيسهما أثناء الحديث ومدى صدقهما في أقوالهما. ويقول العالم النفسي جان بول بوفيي إن تمحيص المرأة في عيني من يحدثها يمكن أن يخبرها الكثير عن الأشخاص الذين تتعامل معهم، ويكشف لها مدى صدقهم معها وإخلاصهم لها أو خداعهم، مرجحا أن عدم نظر المرأة إلى الآخرين يجعل من الصعب عليها فهم نواياهم بشكل واضح. ويرى الباحث رويان ريل أن النساء غير الناجحات في علاقاتهن العاطفية والاجتماعية يتسمن في الغالب بالخجل وينظرن دائما إلى الأسفل أثناء الحديث مع الآخرين، أو يذهبن بعيونهن بعيدا عن عيون الشخص الذي يتحدثن معه. وشدد الباحث على ضرورة أن تحرص المرأة على النظر إلى الآخرين أثناء التحدث معهم، لأن النظرات لا تقل أهمية عن الكلمات في التواصل بين الناس. وقال يوسف إيهاب من مصر، في تصريحه لـ“لعرب”، إن “النظر إلى عيني محدثي يساعدني على بناء رابطة قوية معه”. وأشار إلى أن التواصل بالعيون بينه وبين المستمع أو المتحدث ينم عن الاهتمام المتبادل بتفاصيل الحديث، مؤكدا أن التواصل بالعيون يعُدّ طريقة فعّالة لجذب المستمع وإقناعه وكسب ثقته. إلا أن دراسة جديدة أظهرت أن هذه الطريقة في الواقع تجعل الأشخاص أكثر مقاومة للاقتناع وخصوصا عندما يكونون بالأساس من المشككين في كل شيء. وذكر موقع “ساينس ديلي” الأميركي أن الباحثين في جامعة كولومبيا البريطانية بحثوا في تأثير التواصل بالعيون في الأحوال التي تتطلب الإقناع. وقالت الباحثة فرانسيس شين إن “هناك الكثير من التقاليد الثقافية حول قدرة التواصل بالعين كآلية للـتأثير.. لكن نتائجنا أظهرت أن التواصل بالعين يقلل من احتمال تغيير رأي المستمع المشكك”. أما محمد عادل أبونايل فلا يختلف رأيه كثيرا عن رأي ابن بلده يوسف إيهاب، إلا أن لديه استثناءات يقول فيها ما يلي “حين أتحدث إلى فتاة لا أرغب في النظر إليها، بل أحاول أن أشغل نفسي بأي شيء آخر، لأنها ربما تفسر نظراتي على أنها وقاحة أو تحرش، وأيضا لا أستطيع رفع عيني في عين جدتي احتراما لها”. ولكن أقوال الناس لا تشبه دائما ما يعيشونه في الواقع، فلغة العيون تكاد اليوم تفقد مكانتها بين الناس، فقد أصبحت نادرة التبادل في الأوساط الأسرية والاجتماعية، بسبب وتيرة الحياة السريعة والتكنولوجيا الرقمية، التي باتت الوسيلة الواصلة والفاصلة في تواصلهم، فأغلب الناس يقضون أوقاتهم في التحادث عبر الرسائل النصية ووسائل التواصل الاجتماعي، ونسوا النظر إلى وجوه بعضهم بعد أن خيمت العزلة الاجتماعية على حياتهم.

مشاركة :