مقاربات التعايش والاختلاف بين الإعلام التقليدي والإعلام الجديد بقلم: د. ياس خضير البياتي

  • 3/30/2017
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

لم يعد بإمكان وسائل الإعلام التقليدية تجاهل المواطنين الصحافيين، ولا مقاطع فيديو (الهواة) أو أي معلومات أخرى تتدفق عبر وسائل الإعلام الاجتماعية.العرب د. ياس خضير البياتي [نُشر في 2017/03/30، العدد: 10587، ص(18)] خلال العقود الثلاثة الأخيرة شهدنا سلسلة مستجدات ومتغيرات في أنماط ورسائل الاتصال الجماهيري، سواء الإعلام الرسمي أو الخاص، شملت اللغة والمحتوى وبالتالي أثّرت على القدرة على الاحتواء والتوجيه بما في ذلك قوانين المطبوعات والنشر. قبل ثلاثة عقود، كان الإعلام العربي موجها أحاديا تحكمه قوانين المطبوعات والنشر التي ترى في الإعلام جزءا من المنظومة الأمنية، إذ كانت تتم حماية مباني الإذاعة والتلفزيون بقوات عسكرية منعا للانقلابات التي غالبا ما كانت تبدأ من الإذاعة. أمّا في 2011 فقد شهدنا كيف أن التغييرات بدأت في القاهرة مثلا من ميدان التحرير ومهّدت لها أجهزة الهاتف المحمول الذكية واللابتوب. الإعلام القديم كان بدأ يتداعى في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية وما تلاها من هجرة الصحافة المطبوعة الخاصة إلى لندن وباريس بهدف أن تتحرر من قيود القوانين والممارسات الرسمية وحتى المجتمعية، مع أن بعضها كان يمول ليكون جزءا من موروث الحروب الإعلامية والسياسية على الجبهة العربية. وقد أعقبت موجة الصحف المهاجرة ظاهرة صدور الصحف الأسبوعية – التابلويد– مستفيدة من تحديث قوانين المطبوعات والنشر مطلع التسعينات والتي سمحت للقطاع الخاص بامتلاك هذا النوع من الإعلام. ثم اكتسى النمط المستحدث صورة غير جذابة، وإن كانت أحيانا شائعة، لما استجد من رصد الأخبار الصارخة أو أحيانا افتعالها. ورافق ذلك انتهاك حرية الأفراد الشخصية وخروقات واضحة للقوانين على يد صحافيين صعودا إلى متنفذين في مراكز سلطة استغلوا صحافة الإثارة لغايات شخصية أحيانا وسياسية أحيانا أخرى. وأعقب ذلك ظهور الفضائيات في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي حاملة معها تغييرات جوهرية في أنماط التواصل ومحتواه وفي تحصيل القوة الإعلامي/ السياسية، التي جعلت البعض يشبهه بقنابل نووية صغيرة من حيث قوّة تأثيرها في الردع السياسي. وفي البداية لعبت قنوات إخبارية– كقناة سي إن إن– دورا رئيسيا في حرب الخليج الأولى مثلا، حتى ظن البعض أن الحرب تتم عبر برنامج 24 ساعة وتحبك خيوطها على الأثير، ساعدها على ذلك توالي الأزمات والحروب التي شاركت بها قوى دولية من حرب الخليج إلى هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة وتداعياتها، حتى إذا جاء (الربيع العربي) كانت الفضائيات حاضرة بقوة اجتياح وتأثير مضاعفة المئات من المرات. والحلقة الثالثة في المستجدات الإعلامية السريعة تجسد بولادة الإعلام الجديد، ابتداء بالمواقع الإلكترونية الإخبارية وصحافة المواطن المتمثلة بالمدونات والتعليقات، مرورا بوسائل الإعلام المجتمعي وانتظارا لفورة الهواتف الذكية التي أضحى الجهاز منها مجموعة إعلامية واتصالية متكاملة بآفاق تقنية لا حدود لها. ودون شك فإن المنافسة بين وسائل الإعلام التقليدية ووسائل الإعلام الجديدة تميل لمصلحة وسائل الإعلام الاجتماعية والمواطنين الصحافيين. ولم يعد بإمكان وسائل الإعلام التقليدية تجاهل المواطنين الصحافيين، ولا مقاطع فيديو (الهواة) أو أي معلومات أخرى تتدفق عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، بل إن معظم الصحافيين التقليديين المحترفين يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية للتواصل مع جمهورهم بطرق جديدة. ومع ذلك لا يمكن تجاهل نجاح الإعلام التقليدي بشكل واضح في توظيف وسائل الاتصال الجديدة في خدمة مؤسساته. لذلك فإن شكل الإعلام الجديد مستقبلا سيتغير جذريا مع قدرة مستخدميه على قلب الموازنة والتعدي على قامات الإعلام التقليدي الذي مازال يمتلك القدرة والشهرة والخبرة. كما يظل الإعلام الجديد اليوم متأثرا بشكل كبير من قبل رجالات الإعلام التقليدي. إن جل المستخدمين المؤثرين في تويتر هم كتاب الصحف التقليدية والعاملون في القنوات الإخبارية، مع بعض الاستثناءات. والإعلام التقليدي قادر على أن يتجدد وأن يستثمر في متغيرات التكنولوجيا المعاصرة وفي آليات التواصل المتجددة، وأن يعبر بها فضاءات القارات بانسيابية مستفيدا من هذا الكم الهائل من الأدوات التي تجعله أقوى، إن هو ثابر من أجل الحصول على التميز وعلى قدم التفرد في تطوير المحتوى الإعلامي. دعونا نقترب أكثر من مخاض عام 2011 حيث سخونة الأحداث في المنطقة العربية جعلت من الإعلام بشكليه التقليدي والجديد محط نظر، ألم تستعن الصحيفة المطبوعة بموقعي فيسبوك وتويتر من أجل نشر أكثر من مادة خبرية وتصريح هام ورأي موجه؟، ألم تستفد حتى الإذاعات العربية والعالمية من كل هذا التدافع المعلوماتي والتكنولوجي لتهمس في الآذان بما تنتقيه بعناية فائقة أو تلقيه على الأسماع بلا مبالاة؟ كاتب عراقيد. ياس خضير البياتي

مشاركة :