الشكوك تستقبل أول موازنة لبنانية منذ 12 عاماأعلنت الحكومة اللبنانية، أمس، عن تفاصيل أول موازنة منذ 12 عاما، لتبدأ رحلة الحد من العجز وإعادة التوازن للمؤشرات الاقتصادية المختلة، وسط تشكيك الخبراء في قدرة حزمة الضرائب الواسعة التي تم إقرارها في جمع الإيرادات المأمولة.العرب [نُشر في 2017/03/31، العدد: 10588، ص(10)]بانتظار أعباء ضريبية جديدة بيروت - استقبلت الأوساط الاقتصادية اللبنانية الموازنة “التاريخية” الأولى منذ 12 عاما، بالتشكيك في قدرتها على تحقيق الإيرادات المتوقعة وتخفيف حدة الأزمات الاقتصادية بعد سنوات طويلة من تسيير شؤون الدولة بصورة ارتجالية. وأكد وزير المال اللبناني علي حسن خليل خلال إعلان الموازنة أن الحكومة تستهدف خفض العجز إلى 8.7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وزيادة الإيرادات بنسبة 10 بالمئة من خلال فرض حزمة واسعة من الضرائب. وقال إن “حجم الإنفاق في الموازنة التي وافقت عليها الحكومة الاثنين يقدر بنحو 23.67 تريليون ليرة (15.7 مليار دولار) فيما يبلغ حجم الإيرادات 16.38 تريليون ليرة (10.9 مليار دولار)”. وأوضح أن التقديرات “تستند بالدرجة الأولى على تحسين الجباية والإدارة الضريبية والدخول إلى مكامن ضرائبية جديدة بدلا من إخضاع اللبنانيين إلى ضرائب جديدة”. وتتوقع الموازنة أن ترتفع وتيرة النمو الاقتصادي ليصل إلى 2 بالمئة وهي نسبة نمو بحاجة إلى مجموعة من الإجراءات لبلوغها، رغم أنها تبقى محدودة.علي حسن خليل: الموازنة تستند في الدرجة الأولى إلى تحسين الجباية والإدارة الضريبية ويشكك المحللون في قدرة الموازنة على جمع الإيرادات اللازمة من خلال حزمة الضرائب، لاعتبارات كثيرة منها انتشار الفساد والمحسوبية ووجود مكون سياسي مسلح (حزب الله) قد يستخدم نفوذه في تهرب بعض الأطراف من الضرائب. وكان تقرير لصندوق النقد الدولي قد حذر في يناير الماضي من أن لبنان بحاجة إلى “تعديل مالي مستدام ومتوازن” وإلا فإن عبء ديونه العامة التي تعد من أعلى مستويات الدين في العالم سيتصاعد. وبلغ حجم الدين العام الإجمالي في نهاية نوفمبر الماضي نحو 74.5 مليار دولار، بحسب تقرير صادر عن جمعية المصارف في لبنان. وكانت الموافقة على الموازنة هدفا رئيسيا للحكومة بقيادة رئيس الوزراء سعد الحريري منذ توليه منصبه في نوفمبر الماضي، في إطار صفقة سياسية قادت ميشال عون إلى الرئاسة. وقال خليل في تصريحات لرويترز إن “نسبة الدين إلى الناتج المحلي ستبقى مستقرة والاستدانة في حدود العجز. وعادة ما يلجأ لبنان إلى البنوك المحلية وأسواق الدين العالمية لسد العجز في موازنته. وعجزت الحكومة عن إقرار الميزانية طوال 12 عاما بسبب الخلافات السياسية بين الكتل الرئيسية بعد اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري والد سعد الحريري في عام 2005. وفي الأسبوع الماضي، أعلن البنك المركزي أنه يعتزم جمع ثلاثة مليارات دولار من خلال إصدار سندات سيادية تتكون من ثلاث شرائح. ويعاني الاقتصاد اللبناني منذ عام 2011 من ضائقة مالية حادة بفعل الحرب في سوريا التي دفعت بأكثر من مليون لاجئ إلى أراضيه في وقت يعاني فيه أصلا من أزمة جراء تدني الاستثمار وضعف البنية التحتية. ووفق وزير المال، فإنه جرى تعزيز مخصصات بعض الوزارات في الموازنة الجديدة. وقال إن “النفقات حصلت فيها زيادات في القطاعات الصحية والاجتماعية والتربوية”. وخصصت الموازنة اعتمادات بنحو 220 مليون دولار للبنية التحتية وعتادا للجيش ونحو 70 مليون دولار لوزارة الطاقة ونفس المبلغ لوزارة الأشغال زيادة على موازناتها، ونحو 150 مليون دولار إضافية لتطوير وتوسيع الشبكة الثابتة للاتصالات.نسيب غبريل: هناك شكوك في وجود إرادة سياسية حقيقية لمكافحة التهرب الضريبي وتقول الحكومة إنها حاولت قدر الإمكان الحد من الهدر القائم في الإدارات والوزارات، حيث قلصت في اعتمادات المواد الاستهلاكية في كل الوزارات بنسبة 20 بالمئة بسبب وجود الكثير من الهدر في الإنفاق غير المبرر بالشكل الصحيح. وتسعى الحكومة من خلال حزمة الضرائب الواسعة التي تم إقرارها في الموازنة إلى زيادة الإيرادات المتوقعة لردم الفجوة في العجز المزمن. وأشار خليل إلى أن الموازنة دققت في “ما هو متوجب على المصارف من أرباح طبيعية مرتبطة بضريبة الأرباح وضريبة التوزيع، وهنا ظهر عندنا أنه يمكن أن نصل إلى زيادة بحدود 1150 مليار ليرة لبنانية”. وأوضح أنه على مستوى الإيرادات هناك مراجعة للاقتراحات الضريبية كلها “وهنا أستطيع أن أقول إنه لم توضع أي ضريبة تطال الطبقات الفقيرة أو ذوي الدخل المحدود ضمن الموازنة وهذا الأمر مختلف عما يناقش في سلسلة الرتب والرواتب”. وأكد نسيب غبريل كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس أن الحملة الموعودة بشأن التهرب من دفع الضرائب كانت موضع ترحيب، لكنه دعا إلى نشر الموازنة التي أعلن عنها بكاملها. وقال إنه “في حال خفضت الحكومة التهرب الضريبي فهذا قرار في الاتجاه الصحيح، ولكن يجب أن ترافقه خطوات ملموسة بسبب شكوك السوق حول وجود إرادة سياسية حقيقية لمكافحة التهرب الضريبي”. وكان البرلمان اللبناني قد أقر في وقت سابق من هذا الشهر مجموعة من الضرائب في مقدمتها زيادة ضريبة القيمة المضافة نقطة مئوية واحدة في إطار الجهود الرامية إلى رفع أجور القطاع العام، ما أدى إلى تفجر الاحتجاجات في بيروت. ولتفادي أي صدمات محتملة، تعهد خليل بأن تعيد الحكومة النظر في بعض الإجراءات الضريبية “التي ربما تنعكس إيجابا على حياة الناس ومعيشتها”.
مشاركة :