هو الإمام الحجة، أبو عبدالله: يونس بن عبيد بن دينار العبدي، مولاهم البصري من صغار التابعين وفضلائهم، كان تاجر خزّ، صدوقاً في بيعه وشرائه، نموذجاً في حسن التعامل والنصح، يحب أن يحتذى، لأنه ينطلق في تعامله من منهج الإسلام، في الصدق والتبيين وقد بورك له. قال عنه علي بن المديني: له نحو مئتي حديث، وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث، وقال أحمد وابن معين والناس: ثقة وصدوق. وقال سلمة بن علقمة، جالست يونس بن عبيد، فما استطعت أن آخذ عليه كلمة، وقال ابن سعد: ما كتبت شيئاً عنه. وقال حمّاد بن زيد: كان يونس يحدث ثم يقول: أستغفر الله، أستغفر الله ثلاثاً. قبل قيامه من مجلسه. وكان الناس يحبون صاحب الخصال الحميدة، ليأخذوا منه القدوة الحسنة. يقول جعفر بن برقان: بلغني عن يونس: فضل وصلاح، فأحببت أن أكتب إليه أسأله، فكتب إليّ يقول: أتاني كتابك، أن أكتب إليك بما أنا عليه، فأخبرك أني عرضت نفسي: أن تحب للناس ما تحبّ لها، وتكره لهم ما تكره لها، فإذا هي من ذاك بعيدة، ثم عرضت عليها مرة أخرى ترك ذكرهم، إلا من خير، فوجدت الصوم في اليوم الحار أيسر عليها من ذلك، هذا أمري يا أخي والسلام. ومع هذا، فقد كان متواضعاً يتخوف من ذنوبه، ويحاسب نفسه. قال سعيد بن عامر: قيل إن يونس بن عبيد قال: إني لأعد مئة خصلة من خصال البر، ما فيَّ خصلة واحدة، ثم قال سعيد عن صبر أبي جعفر قال: دخلت على يونس بن عبيد أيام الأضحى، فقال: خذ كذا وكذا من شاة، ثم قال: والله ما رأيته يتقبل مني شيئا، قد خشيت أن أكون من أهل النار.. ثم قال سعيد، عن سلام بن أبي مطيع أو غيره، قال ما كان يونس بن عبيد بأكثرهم صلاة ولا صوما، ولكن لا والله،ما حضر حقا لله إلا وهو متهيئ له. ومن ميزانه للنفس البشرية، نراه يقول: لا تجد من البر شيئاً واحداً، يتبعه البرّ كلّه، إلا اللسان، فإنك تجد الرجل الصّيّام، ويفطر على الحرام، ويقوم الليل ويشهد الزور في النهار، وذكر أشياء حول هذا، ولكن لا تجده لا يتكلم إلا بحق، فيخالف ذلك عمله أبداً. ولما شكا إليه رجل وجعا في بطنه، قال له: يا عبدالله هذه دار لا توافقك، فالتمس داراً توافقك: وعندما جاء إليه رجل من أصحابه، يشكو إليه ضيقاً في حاله ومعاشه، واغتماماً بذلك، أحب أن يعطيه جواباً مقنعاً مرضياً، ومحسوساً يلامس أوتار القلب، حتى لا يشكو حاله إلى غير الله، فقال له: أيسرّك مائة ألف؟ قال: لا. قال: فبسمعك؟ قال: لا قال: بلسانك قال: لا قال: فبعقلك؟ قال: لا.. ثم عدّد عليه خلالا في جسمه هي من نعم الله عليه، وهو يردد بلا.. ثم قال يونس: أرى لك مئين وألوفاً وأنت تشكو الحاجة. وقد صدق يونس بن عبيد، فإن المرء يبذل كل ما يستطيع من مال في علاج المرض، ولو كان خفيفاً إذا نزل به، ويرخص أموال الدنيا في سبيل ذلك. وأصدق من ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: «لا تنظر إلى من فوقك» وانظر إلى من تحتك، فإنك إذا نظرت إلى من تحتك، شكرت نعمة الله عليك، وإذا نظرت إلى من فوقك كفرت نعمة الله عليك. ومن صدقه ونصحه في البيع والشراء، ما حكاه النضر بن شميل، قال: غلا الخزّ، في موضع كان إذا غلا هناك غلا في البصرة، وكان يونس بن عبيد خزّازاً، فعلم بذلك فاشترى من رجل متاعاً بثلاثين ألفاً، فلما كان بعد ذلك قال لصاحبه: هل كنت علمت أن المتاع غلا بأرض كذا وكذا، قال: لا ولو علمت لم أبع، قال: هلمّ إلى مالي وخذ مالك فردّ عليه الثلاثين ألفاً. وموقف آخر: من مواقف التعامل في التجارة الذي يحتاج لمثله في هذا الزمان، بل وفي كل زمان، روى الأصمعي عن مؤمل بن اسماعيل قال: جاء رجل شامي إلى سوق الخزازين: فقال: عندك مطرفي بأربع مائة؟ فقال يونس بن عبيد: عندنا بمئتين، فنادى المنادي: الصلاة، فانطلق يونس إلى بني قشير ليصلي بهم، فجاء وقد باع ابن أخته من الشامي بأربع مئة، فقال: ما هذه الدراهم؟ فقال: ثمن ذلك المطرّف، فقال للشامي يا عبدالله هذا المطرّف الذي عرضته عليك بمئتي درهم، فإن شئت فخذه، وخذ المئتين، وإن شئت فدعه. قال الشامي: من أنت؟ قال: أنا رجل من المسلمين. قال: أسألك بالله من أنت وما أسمك؟ قال: يونس بن عبيد. قال الشامي: فو الله إنا لنكونن في نحر العدو، فإذا اشتد الأمر علينا قلن: اللهم رب يونس ففرج عنا، أو شبيه هذا، فقال يونس: سبحان الله سبحان الله، إسناده مرسل. ومواقفه في البيع عديدة، منها: ما حدث به أمية بن خالد قال: جاءت امرأة يونس بن عبيد بقطعة خزّ قالت: اشترها. قال: بكم؟ قالت: بخمسمائة قال: هي خير من ذلك قالت بستمائة قال: هي خير من ذلك، فلم يزد على نفسه إلا إبراء للذمة، حتى بلغت ألفاً. وكان يشتري الأبريسم من البصرة، فيبعث إلى وكيله بالسّوس، وكان وكيله يبعث إليه بالخزّ فإن كتب إليه وكيله: إن المتاع عندهم زائد، لم يشتر منهم أبداً، حتى يخبرهم أنّ وكيله: كتب إليه أن المتاع عندهم زائد، حتى لا يحصل غرر على البائعين، أو خديعة في البيع، وهذا من الصدق والتبيين، الذي أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان يقول في موضع المتاجرة والبيع والشراء، ليس شيء أعزّ من شيئين: درهم طيب، ورجل يعمل على نفسه، وكان يقول: بئس المال مال المضاربة، وهو خير من الدَّيْن ما خطَّ على سوداء في بيضاء قط. وكان كثير الاستغفار، ويذكر حمَّاد بن زيد أن له مواعظ تدخل القلب، وكان مما رواه يونس بسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من قتل ساهداً بغير حلّه، حرّم الله عليه الجنة، أن يجد ريحها». كما كان يبغض أهل الكلام والأهواء في العقيدة، ويؤكد على أولاده وغيرهم من غشيان مجالسهم أو الاتصال بهم خوفاً على العقيدة، وكان يردّد: خصلتان إذا صلحتا من العبد صلح ما سواهما: صلاته ولسانه. وأخباره كثيرة تتمثل في اهتمامه بصدق العقيدة، والصدق في المعاملات يمتثل في هذا أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في النصح والصدق في أعمال البيع والشراء تطبيقاً عملياً في نفسه فبورك له في بيعه وشرائه.
مشاركة :