قمت بجولة آثارية مع مدير الآثار والمتاحف في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور سلطان الدويش، وبمعيتي كل من الأستاذ الدكتور أحمد سعيد والأستاذ الدكتور السيد محفوظ من قسم التاريخ في جامعة الكويت، وشاهدنا ما قام به فريق متخصص من إدارة الآثار والمتاحف بجهد جبار متميز في المنطقة القريبة من مسجد البحارنة (ملاصق للقرية التراثية)، فضلاً عن قيام فريق من طلبة من قسم التاريخ في الجامعة بتدريب عملي للتنقيب في المنطقة ذاتها. بشائر الحفائر حافلة بكل جديد من عملات قديمة وفخاريات وآبار كانت مقامة «قلبان» وبرك، وأفران، وأساسات لمبان كانت قائمة في البيوت الكويتية تحكي للأجيال واقعاً ملموساً يمكن محاكاته والوقوف على رسومه والإشادة به. إن ما يبذل الآن من تنقيب آثاري في جزء صغير من المنطقة، التي تعد التوطن الأول الحضري قبالة الساحل، هو جهد المقل، والأسباب في مجملها تغييب عن واقع التنظير العلمي. فالأراضي التي اقتطعت، بعد مفاوضات، تمثل منطقة صغيرة جداً قياساً على ما بني من مبان مدنية حديثة دمَرَّت كل موروث أثري، والقادم القريب أسوأ من قبل، تحت ذريعة تحديث الكويت القديمة التي فيها تعاقبت الأجيال في منطقة أثرية ثرية بكل ما يثلج صدور أهل الكويت عن ماض انقضى وتوجب إظهاره لجيل شغوف بات يجهل تاريخه وأصالته. أتحدث اليوم، كما تحدثت في مقالات سابقة عديدة، عن ضرورة ملحة لا أجد مناصاً من ذكرها وترديدها، هي إنشاء هيئة عامة للآثار على غرار ما هو معمول به في دول الجوار الخليجي، وكذا العربي، وكذلك العالمي، مهمتها الحفاظ على الآثار في دولتنا الحبيبة الكويت حيازة للأراضي وتسويرها، والتنقيب عن كنوزها الأثرية، وتجليتها في متاحف تلحق بها، وما يتصل بها من مختبرات تخصصية تكشف عن عمر كل قطعة أثرية، وترمم ما يحتاج إلى ترميم منها، ومخازن لحفظ المقتنيات بطريقة تقنية حديثة، ومعهد تدريب يخرج في مناهجه ودوراته المقامة كفاءات تعمل في الهيئة: إدارة، وتنقيباً، وعناية، بالتعاون مع قسم التاريخ في جامعة الكويت ممثلاً بشعبة الآثار، وغيرها من الجهات ذات الاختصاص مثل مركز البحوث والدراسات الكويتية، والجمعية التاريخية الكويتية، ومركز دراسات الخليج والجزيرة العربية في جامعة الكويت، ومركز الوثائق التاريخية في الديوان الأميري، وغيرها.د. سعود محمد العصفور dr.al.asfour@hotmail.co.uk