كانت زيارة المواقع التراثية، التي ذكرتها في الجزء الأول من هذا المقال، جميلة ممتعة، أحسست فيها بضرورة الحفاظ أكثر على هذا التاريخ الأصيل والإسراع في إنشاء الهيئة المذكورة لتتعامل بصفة فاعلة في كبح جماح انتهاك المباني المدنية لهذه المواقع وتدمير الموروث، خصوصاً أننا لدينا قانون يجرم إتلاف أو المساس أو الإتجار بالتراث الثابت أو المنقول، كما يحظر إقامة المنشآت المدنية أو العسكرية في المواقع الأثرية ذات القيمة التاريخية والسياحية والدينية، والعقوبة صارمة في قانون حماية البيئة رقم 42 لسنة 2014 والمعدل برقم 99 لسنة 2015 قد تصل إلى خمسين ألف دينار، وحبس قد يصل إلى ثلاث سنوات، أو بإحدى العقوبتين. دائماً نردد، كما يردد المسؤولون عن السياحة، أننا في الكويت نفتقر إلى مواقع سياحية يرتادها السياح من مختلف بقاع العالم، وكأننا دولة حديثة ليس لها تاريخها الغابر الذي يكسبها أصالة عالمية. وهذا لعمري بفرط جهلنا بكيفية تجلية هذا الموروث التاريخي، والحفاظ عليه لأجيال حاضرة ومستقبلية. إن ربط الماضي بالحاضر يجعل من أجيال اليوم متوافقة مع النشاط الحضاري العالمي، ويشعرها أن لها ما يميزها في ركبها ومساقاتها، خصوصاً أن كويت الماضي قد تميز نشاطها البحري بالعالمية، بعد أن وصلت السفن في عددها، غوصاً وسفراً، إلى أكثر من ألف ومئتي سفينة، وهو أسطول ضخم جاب البحار وارتاد الموانئ وأفرز نشاطاً عز نظيره في منطقة الخليج العربي بأسرها. ولا شك أن هذا النشاط البحري الكبير جلب من السلع والمقتنيات الكثير، وإن من المفيد الكشف عن ذلك آثارياً في منطقة التوطن الحضري قبالة الساحل الممتد بصفة خاصة من قصر السلام إلى قصر نايف، حيث المناطق الرئيسية الأربع: شرق وجبلة والمرقاب والوسط، فضلاً عن التنقيب الآثاري البحري في موقع النقع البحرية التي هي مراس للسفن وما تحمله من سلع، فضلاً عن مواقع أخرى تم تداول السلع فيها، كموقع الفرضة القديمة وموقع الجمرك القديم.. وغيرهما. إن المحافظة على الموروث المادي مسؤولية كبيرة سوف تحاسبنا عليها الأجيال القادمة إن فرطنا فيه، لذا كان الرجاء في القادم خيرا وأبقى إن أخلصت النوايا، وبذلت الجهود في المحافظة على ما تبقى من مساحات ترابية صالحة للتنقيب الأثري. د. سعود محمد العصفورdr.al.asfour@hotmail.co.uk
مشاركة :