أغمض عينيك وتأمل

  • 4/1/2017
  • 00:00
  • 19
  • 0
  • 0
news-picture

تشابكنا مع الآخرين يحدث طوال حياتنا فلا نستغني عن خدماتهم أو أفكارهم ونصائحهم، ولكن يجب أن نجد أيضا لنا فسحة نخلو بذاتنا نعيد ترتيب داخلنا «لا تنسي أبدا أنكِ في يوم من الأيام تعرّفتِ على نفسكِ كصديقة» العبارة السابقة قالتها مؤلفة كتاب «Eat, Pray, Love» الذي ترجم بعنوان طعام، وصلاة، وحب وهي سيدة كانت تمتلك كل شيء وأصابها ملل وتركت حياتها لتبحث وتتأمل فأشبعت حواسها ثم توقفت لتشبع ذاتها وتتواصل معها لتعرف ما كان ينقصها بالأصل. «التأمل طريق للإيمان، من يعجز عنه لا يصل للإيمان» عبارة من حوار طويل حول الإيمان والإلحاد أثارت بذهني سؤالا عما يقود الإنسان للتأمل؟! لو عدنا إلى التاريخ لوجدنا أن الزمن الذي يقضيه متأمل يصنع فارقا في حياته في الرسالات السماوية تأمل إبراهيم الخليل عليه السلام في الشمس والقمر بحثا عن الله، وفي غار حراء كان رسول الله محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام يتأمل حتى أتاه الوحي وتدثر وتزمل، وليس موضوع التأمل محصورا على الديانات السماوية، فحتى البوذية وغيرها تأمل. عملية التأمل لها اتجاهان: بعد وقرب.. الأول البعد عن الآخرين، أو لنقل صوم للأذن عن سماع أصواتهم، وابتعاد للعين عن مشاهدة صورهم، وغيرها من أنواع التعاطي المحسوس مع الآخرين. والثاني القرب من النفس. هل يمكننا أن نعتبر القراءة تأملا؟! سؤال ليس من السهل الإجابة عنه، فهي تعزلنا عن محيطنا القريب وتصلنا بأفكار مؤلف قد يكون بعيدا عنا زمنيا، كبعد ابن خلدون، ومع هذا تقترب أفكاره كقرب ما بثه في مقدمته عن المجتمع وغيره. العربي تأمل في صحرائه فصور لنا روضها جنة من جنان الأرض؛ وتأمل فصاغ ولا يزال يصوغ الحكمة وينصح ويقدم تجاربه الحياتية كأفضل مستشار مالي واجتماعي عند زهير بن أبي سلمى أو عند بركات الشريف. والتأمل اقتراب من النفس يقود لتقارب أفضل مع الآخرين، لأننا حين نفهم ما نريد ونحسن التواصل مع الذات نعبر بشكل جيد مع الآخرين. وفكرة العزلة والتأمل تلقى رواجا في هذا الزمن وكأنها رسالة لعودة الإنسان لآدميته التي هي الأصل. تشابكنا مع الآخرين يحدث طوال حياتنا فلا نستغني عن خدماتهم أو أفكارهم ونصائحهم، ولكن يجب أن نجد أيضا لنا فسحة نخلو بذاتنا نعيد ترتيب داخلنا بكل ما تحمل الكلمة من معنى ونحن نفعل ذلك عادة بسرعة في هذا الزمن الذي تسابق خطواتنا خطواته. تاه بنو إسرائيل في الأرض أربعين سنة ليولد ويربى جيل يقوم بما عجز عنه الآباء أو ما رفضوه، ويبدو أن التيه أيضا يحدث بمعنى معنوي لمن لا يعي ما حوله! اقتصاديا نمارس لهاثا لمجاراة واقع الآخرين؛ إمكاناتهم، واختياراتهم، وقراراتهم.. وننسى وسط معمعة لهاثنا ما نريده نحن وما نقدر عليه حقا! بيوتنا وتصميمها، وميزانياتنا وإدارة دخلنا الفردي أو الأسري، بل مناسباتنا المتخمة بالبذخ التي ترهق جيوبنا، أو سفرات باذخة تذهب بما نملك وبعضنا يستدين ثمنها فقط ليجاري غيره! حتى علاقاتنا الاجتماعية وقعت بين صورة الحي القديم الصغير أو الأحياء المتقاربة التي تصل بينها خطوات تقطع بدقائق، وحقيقة أن مدننا أصبحت شاسعة ممتدة التنقل من شطر لشطر قد يكون مسافة للجمع والقصر، ما زلنا نصر على ترتيب مناسباتنا وزياراتنا، متناسين بعد المسافة، وقد يحدث العكس فنصل للقطعية ولا إفراط ولا تفريط! لو تأملنا ثقافيا نجد أننا انفتحنا على وعي ثقافي عالمي يستدعي تدخلا واعيا في التوجيه وتقنين زمن التعرض لسيل الثقافات التي تنصب علينا من كل مكان مقطعا مرسلا أو رسالة نصية أو حتى بثا تلفزيونيا نتحلّق حوله وننتظره لنتجادل ونلاحق صراعات ثارت بعده! الرياضة لا كممارسة بل الثقافة الرياضية لا تحتاج تأملا فقد أصبحنا ندرك سلبية الاستفزاز أو الاحتفاء لا بنصر فريق بل بهزيمة المنافسين! وكأن الرياضة أصبحت متنفسا لتصنيع قنابل الحقد وتفجيرها. لو تأملنا ردود فعل المختلفين لأدركنا عظمة أن تجد في هذا الزمن من ينصفك من نفسه ويعاملك باحترام ويسمعك مفردات الشكر والتقدير فتأملوا لحياة أفضل!

مشاركة :