أكد فضيلة الداعية، الشيخ عبدالله بن إبراهيم السادة أن الحلم من أشرف الأخلاق عند ذوي الألباب، لما فيه من سلامة العرض، وراحة الجسد، واجتلاب الحمد. وأضاف في خطبة الجمعة بمسجد مريم بنت عبدالله، أمس، أن المسلم يعلم علم اليقين أن الحلم منزلة من منازل الإيمان، وأنه ليس علامة على ضعفه، ولا أمارة جبنه، بل إنها أمارة اليقين بأن الله معه.وتابع: بأن الله تعالى هو صاحب الحساب والجزاء، وأنه أعد للحليم الثواب العظيم، والأجر الجزيل، فالحلم خير من لذة الانتقام والانتصار، ولذلك يرقى بحلمه إلى تلك الدرجة العليا، وذلك الثواب العظيم، يقول النبي: (مَنْ كَظَمَ غَيْظَاً وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْفِذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُؤوسِ الخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ). وأوضح السادة أن الناس يتفاوتون في درجات الثبات أمام المثيرات، فمنهم من تستخفه التَّوافِه فيحمق على عجل، ومنهم من لا تستفزه الشدائد فيبقى على وقعها الأليم، محتفظاً برجاحة فكره، وسماحة خلقه، موضحاً أن الرجل العظيم حقاً، كلما حلَّق في آفاق المكارم اتَّسع صدره، وامتد حلمه، وعذر الناس من على أفعالهم، والتمس المبررات لأغلاطهم، وهذه دلالة على استحقاقه الجنة، وفوزه برضوان الله، فتعلو منزلة الحليم عند الله ويعظم ثوابه. وأضاف: إن عنوان رقي الأمم وتقدمها، وسبيل عزها ومجدها، إنما يكون بالحفاظ على القيم والآداب، ومكارم الأخلاق، والأخذ بكريم الفضائل، وجميل الشمائل، في مجتمعاتها وأفرادها، لافتاً إلى أن الإسلام يُعنى بأمر الأخلاق عنايةً عظمى، ويوليها رعايةً كبرى، حتى قال رسول الله (إِنِّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ). وجدَّد السادة التأكيد على أن الحلم من أرقى الآداب وأنبل الأخلاق، وأجل الشمائل، وأزكى الفضائل، وَصَفَ الله تعالى به نفسه، وجعله خُلقا لأوليائه وحملة وحيه، فقال جلَّ شأنُه عن الخليل إبراهيم، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ)، وقال عن إسماعيل: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) ووصف الله لنا حلم نبي الله هود -عليه السلام- وهو يستمع إلى إجابة قومه، بعد ما دعاهم إلى توحيد الله، فقالوا: (إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ). أوضح خطيب الجمعة، أن المرء في هذه الحياة يمر بمواقف تؤلمه، وتثير كوامن نفسه وقد تُخرجه عن حدود الاعتدال، وتؤدي به إلى الغضب والانفعال، وقد تصدر منه بعض التصرفات القولية أو الفعلية التي يندم بعدها ندماً شديداً، مشدداً على أنه لو اتَّصف بالحلم، وتجمَّل بالصبر، وأحسن إلى من أساء إليه، وملك زمام نفسه، فهو من أولي الألباب، الذين رفع الله من شأنهم، وأثنى عليهم، ووعدهم بالجزاء الكريم: (أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ). ونوه بأن الإنسان الغضوب كثيراً ما يذهب به الغضب مذاهب حمقاء، فقد يسب باب سيارته إذا استعصى عليه فتحه، وقد يكسر آلةً تضطرب في يده، وقد يلعن نفسه، أو يلعن غيره. وقال إن المرء يجب أن يتنزه عن لعن غيره، لو أصابه منه الأذى الشديد، وكلما ربا الإيمان في القلب ربت معه السماحة، وازداد الحلم؛ لذا فإن من رسوخ الإيمان، ورجاحة العقل، وقوة العزيمة أن يملك المرء نفسه عند الغضب، ويكبت جماحها، ويحد من ثورتها، وشدَّد على ضرورة عدم الانسياق وراء الانفعال، أو الانقياد لهوى النفس إذا جُهل عليه أو أُسيء إليه. وأكد أن ضبط النفس عند ثورتها دليل قدرة محمودة، وتماسك كريم، مصداقا لما ذكره ابن مسعود أن رسول الله قال: (مَا تَعُدُّونَ الصُّرعَةَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ، فَقَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكَ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ).;
مشاركة :